الاقتصاد والتفكير الإيجابي (1 - 2)

01:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. لويس حبيقة *

لا شك أن تطورات الوضع اللبناني فاجأت الجميع باستمراريتها وحدّتها وقوة الرسالة الصادرة من الشارع. كنا جميعاً نقول إن الوضع في لبنان سيئ، لكن التغيير صعب بسبب العوامل الطائفية والمذهبية والمناطقية وغيرها. لكن استمرار إهمال المرافق العامة وعدم السماع لوجع الشعب أغضب الرأي العام الذي يريد التغيير اليوم. اللبنانيون انتفضوا على الإهمال وعدم الاحترام ولا يكتفون بعد اليوم بالخطابات الضبابية التي هدفها تمييع الأمور وتأجيل الحلول واستمرار الفساد وتخدير الرأي العام الواعي. الانتفاضة فاجأت السياسيين ولا بد أنهم يندمون اليوم على سوء التصرف والإهمال، لكن ما فات قد فات ولا بد من التغيير وثم المحاسبة الجريئة عبر القضاء. تغيير الأوضاع في لبنان يتطلب قيادات جديدة شفافة كفؤة تخاطب الرأي العام بصدق ومعرفة ورغبة صادقة في الإصلاح. الأمل كبير لكن التحديات كبيرة أيضاً والأخطاء يمكن أن تتراكم وتعرقل مسيرة التطور.
السياسيون اللبنانيون الذين بنوا مسيرتهم على خدمة الشعب لهم، ما زالوا يتوقعون بل يأملون أن تفشل الانتفاضة وتعود الأمور إلى سابق عهدها. ليس هنالك ما يشير إلى انتصار الانتفاضة؛ إذ يتطلب ذلك تنسيقاً أكبر بين قيادات الحراك لمنع مرور وسائل التفشيل التي يمكن أن تكون سياسية أو اقتصادية أو حتى أمنية. السياسيون في لبنان لم يقرؤوا جيداً ما حصل في بعض الدول العربية كتونس أو في بعض الدول الغربية كأوكرانيا وأرمينيا أو حتى في الدول المتقدمة كفرنسا مع السترات الصفراء التي تخيف الحكم والحكومة. العالم يتغير اليوم تحت الضغط الشعبي، وعلى الجميع قراءة ما يحصل في هونج كونج وفي التشيلي وغيرهما من البقع التي تثور فيها الشعوب وتغضب وتنجح، إذ لا يمكن مواجهة الرأي العام المطالب بالحق والعدالة والاحترام وحسن المعاملة.
الشعوب أصبحت اليوم جريئة في مطالبها وفي الحصول على حقوقها. لا يمكن للسياسيين محاولة الغش التي لن تنجح. في لبنان، ما زالت أكثرية السياسيين تحاول غش الناس عبر الوعود الكاذبة والمزيفة والكلام الفارغ المنمق وغيرها من وسائل التمييع والتأجيل واللعب على المشاعر الموروثة. يستعد الناس في كل الدول للمطالبة بالحقوق بجرأة وصراحة وحتى بالوسائل العنفية عندما لا تسمعهم الحكومات وتحاول تفريقهم. بماذا يطالب المنتفضون اللبنانيون عموماً؟ بالحقوق السياسية ورفع مستوى المعيشة ومحاربة الفساد واحترامهم وحسن التعامل معهم. فهل هذا كثير ولماذا يمعن السياسيون بالمواجهة الجائرة المضرة حفاظاً على مكاسبهم غير الشرعية من منافع وتوظيفات بالجملة وسرقة وهدر الحاضر كما المستقبل؟ فهل مواجهة الشعب أهون وأقل تكلفة من تلبية المطالب العادلة التي تبني المستقبل أولاً وتحاسب ثانية بعد تغيير العديد من القوانين وإجراء الإصلاحات المنطقية.
لا يعرف بعض الناس أن الركود الكبير في سنة 2008 لم يكن ركوداً اقتصادياً فقط، بل أحدث ثورة سياسية في كل أنحاء العالم. سبّب الركود الكبير وعياً غير مسبوق عند الشعوب؛ إذ لماذا نتوقع مثلاً أن تستمر الجماهير في تأييد الأنظمة الرأسمالية القائمة عندما لم تحصل منها على حقوقها؛ بل بقيت أوضاعها الاجتماعية متعثرة؟ لماذا لا نتوقع من الأكثريات الشعبية أن تثور على كل شيء لتغيير الأوضاع عندما ترى أن تحالف الأقلية السياسية مع الأقلية الميسورة يسيء إلى مصالحها ومستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة. الأجيال الخاسرة في 2008 نتيجة الظروف وسوء التصرف السابق تطالب بالتغيير السياسي والديمقراطي والاجتماعي وليس فقط الاقتصادي. «العدالة الاجتماعية» أصبحت عقيدة تنفيذية جديدة ولا يمكن استغلال شعاراتها من قبل السياسيين لغشّ الشعب وتأجيل زمن التغيير.

* أكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"