هل تتحول «آستانة» إلى «أجزاخانة»؟

05:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

كلمة (أجزخانة) تعني في بعض اللهجات العامية، صيدلية، وأغلب الظن أنها مأخوذة عن كلمة (eczane) التركية، وأنها جاءت إلى حضن مفرداتنا العامة خلال الاحتلال العثماني، الذي جثم على صدورنا أربعة قرون من الزمن، وترك لنا إرثاً من الجهل والتخلف، لا يشق له غبار.
على أي حال، ليس موضوع الاحتلال العثماني، صلب ما نود طرحه، وإنما المفاوضات التي دعت إليها روسيا وإيران، في العاصمة الكازاخستانية (آستانة) والتي يهدف المؤيدون لها إلى تفعيل حل سياسي للأزمة السورية، ينهي ذلك الموت المجاني، للشعب السوري، ويحقن دماء السوريين النازفة منذ خمس سنوات ونيف.
وعلى الرغم من أن الداعين لهذه المفاوضات يعربون عن أملهم في أن تحل مفاوضات (آستانة) استعصاء جنيف، كما يحلو للبعض أن يسميه، إلا أن الغموض لا يزال مسيطراً على هذه المفاوضات المنشودة، حيث تبدو ملامح الفشل أكثر بكثير من ملامح النجاح فيها، ويعود ذلك في الواقع إلى الكثير من التعارضات، بين الأطراف الأساسية في هذه المفاوضات، وهي تعارضات جذرية وليست خلافات تكتيكية، كما أن بين بعض هذه الأطراف تناقضات جمة،من الصعب أن يحتويها مؤتمر واحد مهما كانت عبقرية ودهاء القائمين عليه.
فروسيا وتركيا دعتا إلى هذه المفاوضات على خلفية تقدم انتصار في حلب، رغم أنه لا يعدو كونه انتصاراً بطعم الهزيمة، والسبب في ذلك أن مدينة سورية مهمة وتعد شريان الاقتصاد السوري، باتت شبه مدمرة بسبب صراع مجنون تدفع سوريا الوطن والشعب ثمنه، كما أن المعارضة السورية التي ما انفكت ترفض الدور الروسي والإيراني، تحت مظلة المجتمع الدولي، لن تقبل به على الأغلب في أروقة مفاوضات (آستانة)، أو قد تقبله على مضض، ناهيك عن الخلاف الكبير بين دمشق وأنقرة، بعد انغماس تركيا في الأزمة السورية، وخشية الأخيرة من امتداد نيران الصراع السوري إلى الحقل التركي، وقلق الأتراك التاريخي من قيام دولة كردية على حدودهم.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار كون تركيا عضواً مهماً في حلف شمال الأطلسي، يصبح من الطوباوية الاعتقاد بأن علاقات استراتيجية حقيقية قد تربط تركيا وروسيا.
وبطبيعة الحال لا يمكننا هنا أيضاً إلغاء العامل «الإسرائيلي» والدور الأمريكي المنتظر،في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، ثم إن هناك سؤالاً يفرض ذاته بقوة، وهو هل يمكن لموسكو أن تعمل في خدمة الأجندة الإيرانية في سوريا؟ وهي أجندة مختلفة عن الرؤية الروسية لمستقبل سوريا، إذ كيف يمكن لموسكو أن تقبل ببقاء سوريا التي تشكل آخر موطئ قدم لها في المنطقة،تحت نفوذ إيراني؟ ثم ما موقف نظام الحكم القائم في سوريا، إزاء كل هذه الأجندات التي يريد أصحابها ترجمتها على الأرض السورية؟
من كل ما تقدم نلاحظ أن نقاط الاختلاف بين المتفاوضين في (آستانة) ستكون أكثر بكثير من نقاط التفاهم، فالمعارضة على سبيل المثال تتهم روسيا بمحاولة الالتفاف على بنود صلبة غير قابلة للتعديل، وردت في بيان جنيف 2012. و على رأسها البنود التي أشارت إلى حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات.
وتعتقد المعارضة أيضاً أن الدعوة الروسية تهدف إلى تعزيز موقف الرئيس السوري سياسياً بعدما أنجز على الأرض في حلب، بمعنى أنها تريد فتح باب التسوية السياسية من البوابة الحلبية.
أخيراً يمكن القول إنه رغم محاولات الكثير من الأطراف إشاعة أجواء التفاؤل بالمفاوضات المزمعة في (آستانة)، إلا أن أي متعمق في الشأن السوري، أو حتى متابع عادي لتطوراته، يدرك أن هذه المفاوضات قد لا تنجح في تحقيق اختراق جدي نظراً للاستعصاء الكبير الذي وصلت إليه الأزمة السورية، وأن آستانة لن تكون (الأجزخانة) أي الصيدلية التي ستقدم الدواء الشافي والسحري للأزمة السورية، ما لم تكن هناك نوايا حقيقية وصادقة لدى جميع أطراف الأزمة من السوريين أنفسهم، قبل أي أحد آخر!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"