واشنطن وطهران.. توافق مصلحي

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

كان الرأي السائد أن ضربة جوية صاروخية في طريقها إلى أهداف إيرانية بعد إسقاط طائرة أمريكية مسيرة من قبل إيران، لكن الرئيس الأمريكي ترامب أمر بوقف الضربة فجأة، بحجة أن هناك 150 مدنياً في هذا المواقع، وهو عذر غير مقنع لأن الطيران الأمريكي في عهده أباد أحياء في الموصل بحجة إخراج داعش.
وقال المبعوث الأمريكي الخاص براين هوك: «إننا نبذل جهودنا لنزع التوتر بالدبلوماسية وليس بالقوة العسكرية، ومن المهم أن نبذل أقصى ما في وسعنا لنزع فتيل التوتر»، وهذا الكلام ينم عن نعومة لا سابق لها على ألسنة المسؤولين الأمريكيين.
كلام المبعوث الأمريكي يتناقض مع التهديدات التي أطلقت بعد الحشد العسكري في الخليج وبحر العرب، وجاءت بعد تراجع الرئيس الأمريكي عن توجيه ضربة لإيران غداة إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة، بل إن تهديد ترامب فهم على أنه لن يوجه الضربة، حيث قال «لو كانت الطائرة مأهولة لتغير الأمر»، بمعنى أنه هدد بالرد ثم تراجع، لأنها لم تكن مأهولة. لكن ما خفي أن كلاً من إيران وواشنطن تتبادلان الاتهامات والتهديدات علناً، وفي السر تتبادلان رسائل تستبعد خيار الحرب، ويظهر ذلك بوضوح في تغريدات ترامب وأقوال المرشد الإيراني.
فالعلاقة الأمريكية - الإيرانية لا تزال لغزاً يصعب فهمه إلا في سياق المصالح المشتركة من موقف العداء. فبعد فضيحة صفقة السلاح المسماة «إيران غيت» التي تفجرت في وجه الرئيس ريغان، وتمت في باريس بين «إسرائيل» وحكومة حسن بني صدر في إيران سنة 1984 وجورج بوش الأب الذي كان نائباً لريغان ومندوب عن المخابرات «الإسرائيلية» لتمويل صفقة سلاح لمحاربة الحكومة اليسارية في نيكارغوا، لم يتورع الأمريكيون عن إسقاط طائرة ركاب إيرانية، ودخول حرب الناقلات ضد إيران بعد أن طلبت الكويت حماية ناقلاتها من الهجمات الإيرانية، فإيران عملياً سهلت عودة الأمريكيين إلى مياه الخليج.
سبق أن كتبنا في هذه الصفحة بتاريخ ال 14 من الشهر الماضي أن الصدام الأمريكي - الإيراني غير متوقع، وأن الرئيس ترامب سيكتفي بالعقوبات لجر إيران إلى المفاوضات حول برنامجها النووي، ذلك أن المستقرئ لتاريخ حكم ترامب يجد أنه لا يغامر بحرب لا يمكن السيطرة على حجمها في هذا الوقت بالذات، وقد أعلن عن ترشحه لولاية ثانية، مثلما يهرب نتنياهو من أي مواجهة مع حماس بسبب الانتخابات. والغريب أن الأزمة بين واشنطن وإيران لا تظهر على ألسنة المسؤولين «الإسرائيليين» الذين هم من فجر الأزمة، حيث طلب نتنياهو منهم الصمت التام وعدم التعليق، بل قال بعد إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة: إن من واجب المجتمع الدولي في مواجهة الاعتداء الإيراني على الولايات المتحدة دعم الموقف الأمريكي، وكأن الأمر لا يعنيه، بل يعني واشنطن والدول الأخرى. فإيران تستخدم وكلاءها في المنطقة لإرهاب واشنطن، و«إسرائيل» تستخدم واشنطن لإرهاب المنطقة ككل. فثمة توافق مصلحي ما زال قائماً بين طهران وواشنطن لا تدمره عملية إسقاط طائرة أو تفجير ناقلات، فالسياسة الأمريكية تجاه إيران لا تختلف عن السياسة «الإسرائيلية» ضد حركة حماس، فإسرائيل تريد لحماس أن تبقى في الحكم في غزة، ولكن في حالة ضعف، لأن بقاءها يعني بقاء الانقسام الفلسطيني الذي يبقي الوضع الفلسطيني عاجزاً سياسياً في مسألة إقامة الدولة، لهذا صارح نتنياهو أنصاره بقوله: «من يعارض نقل أموال إلى حماس إنما يؤيد قيام دولة فلسطينية»، والسياسة نفسها تتبعها واشنطن منذ عقود تجاه إيران، وهي الإبقاء على النظام الإيراني كتهديد تحت الطلب لدول الجوار طالما أن شهية إيران مفتوحة للعدوان على العرب.
والأمريكيون هم من أتاحوا لإيران التمدد في العراق وسوريا وغيرها، لهذا فإن «إسرائيل» هي التي أصيبت بالخيبة من عدم الرد الأمريكي على إيران، لأنها ستخرج من دون خسائر تذكر.
إن النظام الإيراني لو عاد إلى رشده وعمد إلى تسوية القضايا العالقة مع دول الخليج من موقع المسلم الجانح إلى السلم لحظي بعداء أمريكي مستحكم، لكن علة إيران منذ زمن الشاه أنها تريد التوسع على حساب العرب، فالميدان المفضل والأسهل بالنسبة لترامب هو الإيغال في تصفية القضية الفلسطينية، لأنها الحلقة الأضعف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"