دعم إقليمي ودولي للدولة اليمنية

04:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

البيان الرئاسي القوي الذي أصدره مجلس الأمن مساء الجمعة 29 أغسطس/آب ضد جماعة الحوثيين في اليمن، من شأنه التمهيد لعقوبات بحق زعماء هذه الجماعة، التي لم تكِفّ عن التصعيد والمسيرات المسلحة، وتحدي الحكم القائم، وهذه المرة تحت ذريعة الاحتجاج على رفع أسعار الوقود، فيما المطالب الفعلية لهذه الجماعة هي التمدد في قلب اليمن وعلى أطرافه على حساب السلطة المركزية، والتمتع بمنفذ على البحر الأحمر يضمن لها الحصول على المزيد من التمكن .
بيان مجلس الأمن يستند إلى تقارير المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر، وتواصله مع سائر الأطراف بمن فيهم الحوثيون، ومعاينته للتدهور القائم نتيجة التصعيد المنهجي وسياسة القضم والتوسع التي تنتهجها الجماعة الحوثية، مستخدمة الأسلحة الثقيلة واستعراضات القوة، بمعزل عن إرادة الشعب اليمني وبقية القوى السياسية والاجتماعية . وفيما تدرك هذه الجماعة أن الحكم يتعرض لاستنزاف من قبل القاعدة في جنوبي البلاد، فإن الجماعة تستغل هذا الوضع من أجل تطويق الحكم وفرض إملاءات عليه . وبينما أبدى الحكم طوال نحو عامين ليونة تجاه التصعيد الحوثي ولعب دور وسيط بين هذه الجماعة المسلحة، التي تستخدم العنف والتهديد لتحقيق غايات سياسية وقبائل يمنية، فإن الجماعة استثمرت هذا الوضع للانتقال من محاربة جماعة الاصلاح إلى محاربة قبائل، إلى مناوأة الحكم نفسه، مع استخدام أساليب سياسية ملتوية من قبيل التهوين من مخططات الجماعة والتعهد اللفظي بعدم اقتحام العاصمة، فيما الممارسات على الأرض تسير في اتجاه آخر، ومن قبيل دعوة الحكم وموظفيه للعودة إلى عمران ومحافظتها شمال صنعاء، بما يوحي بخروج الجماعة من المحافظة، فيما واقع الحال يفيد بأن الجماعة أرادت إبقاء سيطرتها على المدينة مع السماح للحكم بوجود إداري فقط، وتحويل ذلك شيئاً فشيئاً إلى أمرٍ واقع في عمران وسواها من محافظات ومدن .
الزحف على العاصمة ابتداء من الأربعاء الماضي وتطويقها وإقامة معسكرات مسلحة فيها، يراد به إرساء ازدواجية سلطة في صنعاء، وابتزاز الحكم والقوى السياسية والاجتماعية . ومن أشد مظاهر الالتواء في طروحات هذه الجماعة دعوتها إلى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، علماً بأن الجماعة هي أول من تنكر لنتائج الحوار، وبخاصة البند المتفق عليه والداعي إلى تسليم الأسلحة الثقيلة للسلطات . ترفض الجماعة تسليم أسلحتها وتتطلع كما هو بادٍ إلى التزود بمزيد من الأسلحة من المصدر الإقليمي الذي يمحض الجماعة التأييد العلني، وحيث تنفرد إيران من دون بقية العالم بهذا التأييد للجماعة المتمردة، وبالذات في حالات التصعيد . وقد تحدث في هذا الرئيس عبد ربه منصور هادي في حواراته الأخيرة مع القوى السياسية لمواجهة التصعيد الجديد، متهماً طهران بتقديم "دعم كبير جداً للحوثيين" .
ولا يقل غرابة والتواء عما تقدم أن ترفع الجماعة في تحشداتها الأخيرة بالعاصمة شعارات تأييد للشعب الفلسطيني!
سبق لمجلس التعاون الخليجي أن حذر من هذه التحركات التي تستهدف العملية السياسية في اليمن كما تستهدف المبادرة الخليجية التي تحظى بإجماع دولي، وتنذر بصراعات أهلية مديدة لا يعلم إلا الله مداها، وبما يشكل رديفاً موضوعياً لتعديات القاعدة في الجنوب . علماً أن القلاقل الشديدة في اليمن ذات انعكاسات سلبية على منطقة الخليج، وخاصة حين تحظى بدعم صريح من طرف إقليمي . وها هي أعلى هيئة دولية تدق ناقوس التحذير، وتدعو إلى وقف التدخل الخارجي الذي يذكي الصراع، مع إدانة المظاهر والتحركات المسلحة للحوثيين الرامية إلى تقويض سلطة الدولة .
الدعم الإقليمي والدولي للدولة اليمنية يوفر فرصة لسائر القوى السياسية في اليمن للالتفاف حول الدولة ودعمها، والتمسك برفض ظاهرة الأحزاب والجماعات المسلحة، ومواصلة الحوار الوطني بمشاركة الجميع بمن فيهم الحوثيون، اذا ما تخلوا عن كيانهم العسكري وارتباطاتهم الخارجية، وتحولوا إلى حزب سياسي وطني يشارك في بناء البلاد وتنميتها، على أن يشمل مطلب نزع الأسلحة الثقيلة سائر القوى والجماعات المسلحة في البلاد، مع دعم القوات المسلحة في الدفاع عن حدود الوطن وحماية السلم الأهلي . وتتويج ذلك، أو الانطلاق إلى ذلك بحكومة وحدة وطنية ائتلافية تتسع لسائر الأطياف وتكتسب صفة تمثيلية سياسية، لمواجهة ما تبقى من معضلات البلاد وبلورة حلول وفاقية لوضع الجنوب استناداً إلى مشروع الاقاليم، وكذلك إلى كل مطالب محقة لأهل البلاد في الجنوب، وذلك في ضوء التجارب المريرة السابقة، ولمواجهة تغلغل القاعدة ومن لفّ لفّها من جماعات وتنظيمات تنشط في الشطر الجنوبي، وتستنزف القوات المسلحة هناك بالتوازي مع استنزاف الحوثيين لها في الشمال .
قبل أسابيع كان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يستقبل بين المهنئين بعيد الفطر، الرئيس السابق علي عبدالله صالح، في إشارة إلى النجاح الذي حققته العملية السياسية استناداً إلى المبادرة الخليجية، ومن المؤشرات الدالة على أن الحوثيين الذين سبق لهم أن واجهوا عهد علي عبدالله صالح بالسلاح لسنوات، ها هم يواصلون الآن وبوتيرة أعلى هذه المواجهات مع العهد الجديد، بما يدلل على أن الهدف لا يقتصر على مناوأة حكومة أو نظام، بل يتمحور حول اختطاف الدولة ومقدراتها بما يشكل تحدياً غير مسبوق لليمنيين .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"