كيف الفكاك من «أوسلو»؟

02:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

طرح إعلان القيادة الفلسطينية وقف تنفيذ الاتفاقات مع سلطات الاحتلال تساؤلات كثيرة تنتظر الإجابة من اللجنة التي شكلت لتنفيذ القرار الذي جاء طبقاً لقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير منذ سنوات وظل بلا تنفيذ، فالإجراءات الاحتلالية الأخيرة تراكمت بحيث بات من الصعب مواصلة تنفيذ الاتفاقات من الجانب الفلسطيني، بينما انتهكت «إسرائيل» الاتفاقات منذ بداية سريان اتفاق أوسلو الموقع في واشنطن برعاية أمريكية سنة 1993.
وحتى اللحظة لا يمكن الرجم في الغيب بشأن تنفيذ الإعلان المذكور، لأن التداخل بين الحياة الفلسطينية وسلطات الاحتلال بات عضوياً، ولا يمكن الفكاك منه إلا بإنهاء الاحتلال عملياً. فالتنسيق مع الاحتلال طبقا لاتفاقات أوسلو يشمل كل نواحي الحياة اليومية، مثل الصحة والبيئة والمياه والكهرباء وحركة التنقل والتصدير والاستيراد والضرائب والأمن تحديداً، بمعنى آخر: إن الفلسطيني لا يمكنه فعل أي شيء من دون إذن من الاحتلال. وبالطبع تمسك الفلسطينيون بالاتفاقات في أشد الظروف قتامة عندما حوصر الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقره في المقاطعة في رام الله، وحاول «الإسرائيليون» إملاء شروطهم عليه، وكان أقصى ما فعله هو الاستجابة لطلب من وزير الخارجية الأمريكي كولن باول عندما التقاه في المقاطعة بإصدار بيان يشجب فيه الإرهاب. لكن عرفات رفض مطلباً قاسياً من باول، وهو العودة إلى وثيقة الرئيس بيل كلينتون بشأن الحل النهائي في مفاوضات كامب ديفيد، لكن عرفات رفضها، لأن فيها تفريطاً في القدس، ومن يفرط في القدس مصيره القتل، كما قال عرفات في حينه، وقد ظل عرفات متمسكاً بموقفه حتى اغتياله.
وعندما رحل قال بعض المحللين «الإسرائيليين»: إن «إسرائيل» لم تنفذ سوى أربعة في المئة من اتفاق أوسلو بعد اغتيال إسحق رابين، لأن قادة الاحتلال همّشوا أوسلو. وظل الوضع على حاله في مرحلة أبو مازن على الرغم من مرحلة قصيرة توصل فيها أبو مازن إلى شبه اتفاق كامل مع إيهود أولمرت الذي سقط فجأة بفضيحة فساد. فهناك دوماً قوى خفية تحبط مساعي السلام من الجانب «الإسرائيلي»، ولعل التهم الموجهة إلى نتنياهو بالفساد كافية لإسقاط عشرة رؤساء وزارات، لكن هناك من يثبت أقدامه أمامها، لأنه أدار ظهره للسلام بالمطلق؟
«اتفاق أوسلو كان مصيدة»، قال عنه أبو مازن، «إن أحسنا إدارته أوصلنا إلى الدولة، وإن فشلنا أوصلنا إلى جهنم». ويبدو أن الوضع بات جهنمياً حتى كفر مهندس أوسلو بالاتفاقات والشريك «الإسرائيلي» الذي ينتهك كل بند فيه ولم يطبق منه شيئاً. وقد كان تدمير عشرات المباني في المنطقة التابعة للسلطة الفلسطينية في قرية صور باهر أثراً لا يقل عن ممارسات الاحتلال في القدس المحتلة، لأن الاحتلال لم يعد يلتزم بالتقسيمات المناطقية لاتفاق أوسلو، فكل الأرض الفلسطينية باتت مستباحة وتحت الاحتلال المباشر. فلم يبقَ للفلسطينيين أي سلطة على الأرض، فهم عرضة للقتل والاعتقال، وأرضيهم باتت مشاعاً للاستيطان، وقدسهم تتعرض للتهويد والتطهير العرقي، ومسجدها تنخر أساساته الأنفاق اليهودية، وأموالهم محتجزة لدى الاحتلال، فلماذا يحافظون على اتفاقات لا يحترمها الطرف الآخر؟
لكن يبقى السؤال، وهو: إن السلطة الفلسطينية نفسها وهي أحد إفرازات اتفاق أوسلو، هل ستتدبر أمرها من دون علاقات مع الاحتلال الذي يهيمن على الحدود والاتصالات والموانئ، ولا يجري أي شيء إلا بموافقة منه!
الاحتلال حالياً غير معني بتقويض السلطة حتى لا تتفاقم الأزمات الكثيرة التي يواجهها، لكنه لاحقاً يتمنى تقويضها، ولا سيما أنه مع الأمريكيين اقتنعوا بعدم جدوى بقائها بعد رفضها صفقة القرن، وهم يجتهدون في البحث عن بدائل خاصة محلية، كقيادة بديلة على غرار روابط القرى العميلة تحت حكم ذاتي محدود، كما ورد في صفقة القرن، كما أن حركة حماس وإن رحبت بوقف الاتفاقات مع «إسرائيل» ما زالت ماضية قدماً في جهودها لإبرام اتفاق تهدئة، سواء عن طريق الوساطة المصرية أو من دونها.
يبقى هناك خيار إحراق السفن بلا عودة، واللجوء إلى العصيان المدني في وجه الاحتلال، وليكن ما يكون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"