أوراق قطر

«مؤسسة قطر الخيرية».. ذراع الدوحة في التمويل
03:33 صباحا
قراءة 8 دقائق

عن المؤلف

الحلقة الأولى

تأليف: جورج مالبرونو وكريستيان شينو

إعداد: سعد عبد العزيز

صدر مؤخراً في المكتبات والفضاءات الثقافية الفرنسية والأوروبية، كتاب جديد للصحفيين الفرنسيين البارزين: جورج مالبرونو ( من صحيفة لو فيجارو)، وكريستيان شينو (من إذاعة فرانس أنتير)، بعنوان: «أوراق قطر»؛ وذلك على غرار فضيحة «أوراق بنما»، التي تفجرت قبل عامين. والكتاب يتضمن أدلة على دور قطر في تمويل الشبكات الإرهابية لجماعة «الإخوان» الإرهابية في أوروبا، وكيف توزع أموال الشعب القطري على الجمعيات والنوادي والمساجد والأشخاص في محاولة لاستمالتها والسيطرة عليها؛ كي تتحول إلى مراكز تدور في فلكها.

كتاب «أوراق قطر»، الذي يقع في 285 صفحة، ومقسم إلى 14 فصلاً وملحقاً يعرض وثائق رسمية داعمة، هو آخر كتاب مشترك بين الصحفيين في سلسلة بدأت تطول تدريجياً؛ مثل قطر: «أسرار الخزانة»، و«أعزاؤنا الأمراء، هل هم حقاً أصدقاؤنا؟» و«قطر البطة اللئيمة». وبعد أكثر من بحث استقصائي في فرنسا وأوروبا، تمكن الصحفيان بكتابهما «أوراق قطر» الصادر عن دار ميشال لافون الشهيرة، من تفكيك الشبكات القطرية في فرنسا خاصة، وأوروبا عامة؛ وذلك عبر الذراع «الرسمية» (مؤسسة قطر الخيرية )، التي أسستها الشيخة موزة، الزوجة الثانية للأمير الأب حمد، والتي تسهم في تمويل التطرف والإرهاب في دول أوروبية عدة، وعشرات المدن الفرنسية. ويذهب بنا الكتاب بعيداً في البحث عن أسرار تصاعد النفوذ القطري في السنوات الأخيرة، وفي سبر أغوار أسرار الإمارة القطرية التي تحولت في غفلة من الزمن من إمارة صغيرة مهادنة يغلب على ساكنيها البساطة إلى «إمبراطورية مالية مشاكسة» بارزة و مزعجة للكثيرين من اللاعبين في السياسة الدولية.

متابعة تحرك الأموال الكتاب

الكتاب يعد تحقيقاً موسعاً جديداً يحصر الشبكات، والطرق، والمنافذ والشخصيات المستفيدة من السخاء القطري في أوروبا. وبالصدفة كما يقول الكاتبان وبعد «الحصول على تسريبات ووثائق من داخل المنظمة القطرية نفسها، التي تعد الآلية الرسمية التي تمول عبرها الأسرة الحاكمة في الدوحة عملياتها الخارجية»، تم الكشف عن الدور القطري بشكل أكبر في تمويل الشبكات المرتبطة ب«الإخوان المسلمين»، والتي تعد «المنظمة السرية الأكثر تنظيماً وتعقيداً في أوروبا اليوم».

ويعرض المؤلفان كيف تشارك قطر الثرية في معركة التأثير الديني التي يتم لعبها في أوروبا بينها وبين دول عربية عدة، إضافة إلى تركيا. ويؤكد الكاتبان على «الأيديولوجية» التي تنشرها قطر، والتي شجعت دائماً جماعة «الإخوان المسلمين»، ذات المفاهيم الدينية المتطرفة.

وبفضل الكثير من التسريبات نجح الصحفيان البارزان، في تحديد معالم التدخل القطري في أوروبا، انطلاقاً من فرنسا إلى سويسرا، ومن إيطاليا إلى ألمانيا، وفي رصد الشخصيات البارزة التي تتمتع بالدعم القطري، مثل الأكاديمي طارق رمضان، حفيد مؤسس تنظيم «الإخوان،» مستشار المنظمة الذي يحصل على 30 ألف يورو شهرياً من قطر.

وبشكل عام نجح الكتاب في رصد ومتابعة حركة 71 مليون يورو، منذ 2014 ضختها قطر عبر «الجمعيات الخيرية»، في دول أوروبية عدة، لدعم مراكز، ومدارس، ومساجد، جميعها خاضعة لمنظمات إسلامية تنتمي إلى شبكة «الإخوان المسلمين» الأوروبية، وتمويل 113 مشروعاً في مختلف المناطق، فقط من أجل «خلق ثقافة مضادة داخل المجتمعات المسلمة في أوروبا، وتعزيز فصلها عن هذه الدول، في إطار مشروع سياسي ورؤية خاصة ب«الإخوان»» ضماناً لهيمنة عالمية «للمشروع الإسلامي «الإخواني»» وفق الصحفي الفرنسي، والرهينة السابق في العراق جورج مالبرونو.

الكتاب الجديد، يعد بمثابة تفجير لقنبلة حقيقية في العواصم الأوروبية، خاصة بسبب الدور المشبوه الذي لعبته جهات رسمية منذ أيام الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وشبه رسمية كثيرة من سلطات محلية، أو شخصيات سياسية فرنسية في التغاضي عن الاختراق القطري «الإخواني»، ودعمه.

تمويل مناطق فارغة !

الصحفيان كريستيان شينو وجورج مالبرونو اطلعا أثناء العمل على كتابهما «أوراق قطر»، على آلاف الوثائق التابعة لمؤسسة «قطر الخيرية»، التي يتم تمويلها من قبل أمراء قطريين، على الرغم من أنها تعتبر مؤسسة مستقلة رسمياً. ومنذ البداية يقف الكاتبان بكثير من الدهشة أمام حجم التمويلات القطرية في أوروبا متسائلين: ما الداعي لتمويل مركز إسلامي في منطقة (ألتا) الواقعة في أقصى الشمال الأوروبي في النرويج ؟ أو في جزيرة جيرسي الواقعة في القنال الإنجليزي شمال غربي أوروبا، والتي تبعد عن جنوب إنجلترا 160 كم وعن سواحل فرنسا الشمالية 16 كم والمعروفة أصلاً باقتصاد يقوم بشكل أساسي على الخدمات المالية والسياحة والتجارة الإلكترونية والأنشطة الزراعية والقليل من صيد الأسماك، أكثر من كونها تضم مجتمعاً مسلماً بسيطاً للغاية لا يزيد عدد أفراده على 400 نسمة؟ وما الهدف من تمويل مراكز إسلامية ومساجد، معظمها في شمالي البلاد وأخرى في الوسط والجنوب، وكذلك في جزيرة صقلية التي تم فيها تمويل تحويل كنائس إلى مساجد؟ ويعرض الكتاب بعد ذلك تمويل «مؤسسة قطر الخيرية» للمركز الإسلامي في فيلنوف داس وليسيه أفروا دو ليل، كأول مؤسسة إسلامية بموجب عقد شراكة مع الدولة الفرنسية.

«القوة الناعمة» الدينية

ويشير الكتاب إلى أن المساعدات القطرية تصل في هذه المنطقة إلى 4.6 مليون يورو، فضلاً عما لا يقل عن 1.2 مليون يورو في منطقة فيل نوف- داسك و 3 ملايين في مدرسة ابن رشد. ويقول الكاتبان في الصفحات الأولى من الكتاب: شيئاً فشيئاً تبين لنا أننا أمام شبكة تمويل عنكبوتية لا يعرف مداها، وأن أوروبا هي أولوية بالنسبة ل«مؤسسة قطر الخيرية» في تمويل مشاريعها الدعوية، وأن أغلبية الإجابات التي كانت تصدر عن المحاورين أثناء قيامنا بالتحقيق حول مصدر التمويلات أنها قادمة من أموال الزكاة التي تجمعها «مؤسسة قطر الخيرية»، علماً بأن الإجابات من العاملين في هذه المؤسسة كان يغلب عليها طابع الغموض والسرية.

ومنذ البداية يوضح الكاتبان أن هدفهما من الكتاب بعيد كل البعد عن تشويه صورة الإسلام أو شيطنته نتيجة لممارسات بعض أفراده لأسباب سياسية أو أيديولوجية، كما لا يقفان ضد قطر كشعب أو بلد، بل يسعيان إلى تسليط الضوء على المناطق «الرمادية» من تاريخها، وعلى المشاريع التي تمولها والتي تستفيد منها حركات ومنظمات وجهات مرتبطة بحركة «الإخوان المسلمين». ويتساءل الكاتبان: ما الذي يعرفه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ( 1995-2013) عن تمويلات مؤسسة قطر الخيرية في الخارج؟ وإلى أي حد يتم إعلام الدول المعنية بالمساعدة والتمويل القطري وبأهداف هذا البلد في موضوع تطوير وتنمية «القوة الناعمة الدينية»؟ في الوقت الذي كان فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير داخليته كريستوف كاستانير يعملان على إحداث إصلاحات تخص الإسلام في فرنسا.

الوقوع في الفخ

علاوة على ذلك، يثير الكتاب مسألة العلاقات بين الجالية المسلمة في فرنسا والأوضاع السياسية في البلاد. ففي أحد المقاطع نقرأ ما يلي: «إن مهمة رؤساء البلديات شاقة للغاية لأن الرعية من المسلمين يطالبون بأماكن للصلاة لا يمكنهم تمويلها، وذلك بموجب قانون الفصل بين الكنيسة والدولة. ومع ذلك فقد خصصت شركة قطر الخيرية 2.5 مليون يورو لبناء مسجد النور في مدينة ميلوس في عام 2015.

ويشير الكتاب إلى أن قادة الجمعيات الإسلامية يعتمدون أحياناً على الجهات المانحة، لكنهم يقعون في فخ تلك الجهات التي تريد منهم تطبيق أجندات معينة، علماً بأن الشخصيات المسلمة المحلية عرفت كيف تقيم روابط مع البلديات للاستفادة من دعمها. ويقول الكاتبان أنه عند مواجهة المسؤولين القطريين بحجم المساعدات والتمويلات، يؤكدون أن 15% من المساعدات تصل إلى المسلمين في فرنسا من الخارج فقط، لكن الحقيقة غير ذلك على الإطلاق. ويشير الكاتبان إلى أن الاستثمارات الضخمة التي حققتها قطر في السنوات الأخيرة على الأراضي الفرنسية لا تخص فقط كرة القدم أو الشركات العاملة في قطاع السلع الفاخرة والضيافة، بل ثمة حسابات تعود لمؤسسة قطر غير الحكومية - المرتبطة بالأمير تميم مباشرة.

إستثناءات فرنسية !

ويخلص الكاتبان إلى حقيقة مفادها بأن المسؤولين الفرنسيين لديهم علاقة طويلة الأمد ومميزة مع نظرائهم القطريين. فمنذ عام 2008، يتمتع المستثمرون القطريون بنظام ضريبي استثنائي يعفيهم من ضريبة أي قيمة مضافة على رأس المال العقاري أو أي ضريبة على الثروة خلال السنوات الخمس الأولى من إقامتهم في فرنسا، علماً بأن الرئيس ماكرون وعد حين كان مرشحاً للرئاسة بوضع حد لهذا الإجراء.

ومن خلال بعض الوثائق الداخلية التي تمكن الكاتبان من الاطلاع عليها، نجد أن «مؤسسة قطر الخيرية» تشير إلى أن أفعالها تهدف إلى تعزيز الهوية الإسلامية للمجتمعات المسلمة في أوروبا، علماً بأن التجربة التي قام بها الكاتبان شخصياً في قطر أثبتت أن هذه المؤسسة تعمل تحت قانون «اللاشفافية»، ومن هذا المنظور، قامت هذه المنظمة غير الحكومية بتمويل تطوير المساجد والجمعيات وكذلك المدارس في فرنسا. واستطاع الكاتبان بالرغم من كل محاولات التعتيم، الاندساس إلى أحد أبواب المؤسسة في الدوحة وتركيب كاميرا في أحد مكاتبها خلسة.

ويحذر الكاتبان من أنه في العديد من المدن الفرنسية، ثمة قوائم مجتمعية مسلمة توشك أن ترى النور في الانتخابات البلدية لعام 2020. ونظراً لأن عمليات تحويل الأموال للجمعيات تكون غير قانونية، فإن الدولة الفرنسية لا تعرف بالضرورة كل المساعدات التي تدفعها «مؤسسة قطر الخيرية». ففي الاليزيه مثلاً يتم التقليل كثيراً من قيمة مبالغ تصل إلى 14 مليون يورو، في حين أنها تصل إلى ما يقرب من 30 مليون دولار.

ويعود بنا الكاتبان في تحقيقهما مع بداية شهر رمضان (يونيو 2018 ) انطلاقاً من «مول ستي سنتر» في قلب «ويست باي» في حي الدوحة الثري. ويقول الكاتبان إنهما شرعا في إجراء رحلة التقصي والتحقيق في هذا الشهر بالتحديد لأن المسلمين يسارعون إلى التصدق ودفع زكاة أموالهم، ولذا نجد هناك الكثير من الإعلانات ل«مؤسسة قطر الخيرية» المنتشرة في كل مكان تقريباً والتي تدعو الجمهور إلى تقديم العطايا سواء بالهاتف أو الإنترنت أو باليد. وعند الطلب من إدارة المؤسسة لإجراء مقابلة أجابت بعد لأي أن «مؤسسة قطر الخيرية» لا تسمح بالمقابلات حتى مع التلفزيون القطري الوطني. وعندما حاول الكاتبان الدخول بشكل مفاجئ إلى أحد مكاتب المؤسسة بالقرب من مطار الدوحة القديم لمقابلة المسؤول قوبل طلبهما بعد أخذ ورد بالرفض لعدم وجود الناطق الرسمي للمؤسسة.

ولكن على الرغم من ذلك قال العامل إن قطر تقوم منذ العام 2014 بتمويل مشاريع كبيرة في أوروبا يبلغ عددها ( 113 مشروعاً)، وإنها حولت 72 مليون يورو لتمويل المساجد والمدارس القرآنية والثانويات والجمعيات الإسلامية في 14 بلداً أوروبياً أكثرها في بريطانيا وفرنسا في إطار برنامج «الغيث» التابع للمؤسسة.

وفي المجموع هناك دول أوروبية أخرى معنية بالاستثمارات لأهداف دينية توعوية منها إيطاليا ( 47 مشروعاً) وأسبانيا (11مشروعاً) وألمانيا وبولندا وأوكرانيا لكل منها 6 مشاريع وسويسرا ( 5 مشاريع) وبلجيكا 3 مشاريع وهولندا مشروعين. فضلاً عن ذلك تصل التمويلات القطرية إلى العديد من المدن في نفس البلد وتبلغ التمويلات أحياناً نسبة 100 % لبعض المشاريع.

ويلمح الكاتبان إلى أن حجم الأموال التي تقدم لكل الجمعيات والمؤسسات في هذه الدول يجعلنا نطرح تساؤلات كثيرة عن أجندة قطر ومؤسستها الخيرية في أوروبا بالتحديد. وطبقاً لمقولة أحد المسؤولين المتخصصين في مراقبة عمليات التدفق المالي إلى باريس من قطر: «من يمول ينفذ».

ويرى الكاتبان في الصفحة 27 من الكتاب أن كل هذا غريب جداً على منظمة غير حكومية ينص ميثاقها التعريفي على أنها تلتزم بالمبادئ الأساسية للعمل الإنساني (الحياد والنزاهة والموضوعية)، ولكن مع ذلك عرف عن هذه المؤسسة بعد هجمات 11 سبتمبر/‏‏أيلول 2001، من خلال الإدارة الأمريكية، أنها تقوم بتمويل نشطاء تابعين لتنظيم «القاعدة»، فضلاً عن العلاقات المشبوهة لعمال الإغاثة في المؤسسة مع الحركات الجهادية الإرهابية في مالي حين تدخلت فرنسا عسكرياً في عام 2015. وعندما سئل الأمير تميم، مباشرة عما كان يعرفه عن هذه الاتهامات اللاذعة في بعض الأحيان، كان يغير الموضوع متحدثاً عن معلومات مغلوطة أو مبالغ فيها تنشر في الصحافة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

تظاهرة عمالية في ألمانيا
ستيفانيا باركا
1
آدم تشابنيك وآسا مكيرشر
1
ريتشارد يونغس
1
جوشوا فيراسامي
خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز