رهانات خطاب ترامب حول الاتحاد

03:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

على خلفية تحقيقات المدعي العام روبرت مولر حول التدخلات الروسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وتراجع شعبية الرئيس ترامب إلى ٣٩٪ بحسب استطلاع للرأي نشرته ال«وول ستريت جورنال» في ١٩ من الشهر الفائت (بعيداً خلف أسلافه في الفترة نفسها (أوباما: ٥٠٪، بوش الابن: ٨٢٪، كلينتون: ٦٠٪)، قبل أشهر من انتخابات الكونجرس النصفية التي قد تنتهي بعودة الأغلبية فيه إلى الحزب الديمقراطي، وعلى خلفية علاقات سيئة مع الصحافة عموماً، ومع معظم دول العالم إلخ.. ألقى الرئيس ترامب أمام الكونجرس خطابه الأول حول حال الاتحاد.
هذا الخطاب عادة ما يتضمن لائحة نجاحات الإدارة الحاكمة، ورئيسها. وهذا التقليد يعود إلى الثامن من يناير/‏ كانون الثاني ١٧٩٠ عندما ألقى الرئيس جورج واشنطن الخطاب الأول حول حال الاتحاد في تاريخ الولايات المتحدة. وقد بات هذا الخطاب مسجلاً في الدستور الأمريكي الذي يقول في مادته الثانية (الفقرة ٣، البند ١) إن «الرئيس يبلغ الكونجرس، من وقت إلى آخر، بحالة الاتحاد، ويضع أمامه التوصيات والإجراءات المحددة التي يعتبرها ضرورية وملائمة». وبين العامين ١٧٩٠ و١٨٠٠ ألقى الرئيسان جورج واشنطن، ثم جون أدامز، الخطاب حول حال الاتحاد اثنتي عشرة مرة أمام الكونجرس. لكن في العام ١٨٠١ قطع الرئيس توماس جيفرسون هذا التقليد معتبراً أنه يشبه كثيراً خطاب العرش البريطاني، وقرر إرسال الخطاب مكتوباً إلى الكونجرس. وفي العام ١٩١٣ أعاد الرئيس وودرو ويلسون العمل بهذا التقليد المستمر إلى اليوم.
كان خطاب ترامب عن حال الاتحاد منتظراً، لأنه يتوج عاماً من الممارسات السياسية. وقد فاجأ ترامب كثيرين عندما اتسم خطابه الذي دام ثمانين دقيقة، باللهجة التصالحية والاتحادية مع القليل جداً من الإعلانات الرنانة، والدخول في التفاصيل. وقد انقسم المشرعون الحاضرون بين جمهوريين وقفوا عشرات المرات للتصفيق بحماسة للرئيس، وبين ديمقراطيين بقوا مسمرين في مقاعدهم من دون تصفيق، بل إن عشرات منهم ارتدوا اللباس الأسود تضامناً مع ضحايا التحرش الجنسي ونحو عشرين مشرعاً من السود ارتدوا شالاً، أو ربطة عنق بألوان إفريقية رمزاً إلى عبارة «حثالة الدول» التي قالها ترامب خلال اجتماع في البيت الأبيض عن الهجرة والمهاجرين.
دعوة ترامب للاتحاد كانت لافتة: أدعو الجميع لنضع خلافاتنا جانباً، ونبحث عن أرضية وفاق، ونحفز الوحدة التي نحتاج إليها لخدمة الشعب الذي انتخبنا (...) إنها لحظتنا الأمريكية الجديدة. لم يكن هناك من وقت أفضل لكي نبدأ بعيش الحلم الأمريكي.
«تعويذات» كثيرة كما وصفتها الصحافة الأمريكية، مع برنامج شعبوي صفق له النواب الجمهوريون بحماسة، تضمنها خطاب ترامب الذي أكد فيه على «رؤيته الواضحة»، و«رسالته العادلة»، وعن «التقدم الكبير المتحقق والنجاحات العظيمة» للسنة الأولى من حكمه. وبالطبع، لم ينس ترامب الالتفات إلى مناصريه ليتلو على مسامعهم ما يحبون أن يسمعوه عن الحرية الدينية، وسلام العالم، خصوصاً الحق بحمل السلاح، مع تجديد الوعد بتخفيض ثمن الدواء، والاهتمام بالسجون «من أجل إعطاء فرصة ثانية للمسجونين»، والاستثمار في التدريب المهني. كما أنه أبدى موافقة على إعطاء الجنسية الأمريكية ل ١.٨ مليون «حالم» أي لاجئ غير شرعي وصل إلى الولايات المتحدة قبل بلوغه سن الرشد، في مقابل تمويل تشييد الجدار على الحدود مع المكسيك وفرض قيود على الهجرة.
وبعد عام عاصف دار حول مواضيع خلافية، مد ترامب يده إلى الديمقراطيين من أجل تسهيل تنفيذ مشاريعه المتعلقة بالبنية التحتية التي تبلغ تكلفتها ١٥٠٠ مليار دولار، وتفترض الموافقة عليها ستين صوتاً في الكونجرس، في حين أن الأغلبية العادية تبلغ واحداً وخمسين صوتاً.
وفي السياسة الخارجية بدأ البيت الأبيض يتبنى «مقاربة جديدة» حول كوريا الشمالية، لكن ترامب اكتفى بانتقاد «الطبيعة المنحرفة للنظام»، والتأكيد أنه لن «يكرر أبداً أخطاء الماضي». إعلانان فقط تلفظ بهما ترامب حول الجبهة الخارجية: التأكيد أنه سيبقي معتقل غوانتانامو مفتوحاً أمام الإرهابيين الذين يلقى القبض عليهم في الخارج، والطلب من الكونجرس تقييد منح المعونة الخارجية ووقفها فقط على «أصدقاء الولايات المتحدة»، بعد أن صوت عدد كبير من الدول التي تتلقى مساعدات أمريكية، في الأمم المتحدة، ضد قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. كما طلب ترامب من الكونجرس إعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران من دون أن يقف طويلاً عند هذا الموضوع.
يبدو أن ترامب وضع أوباما نصب عينيه، وراح يقدم سياسات هي على النقيض تماماً من سلفه، «عقدة أوباما» تبدو في كل جملة من خطاب الاتحاد الذي قدم ترامب نفسه فيه على أنه «المخلص» الذي يدعو الجميع للاتحاد حول «رسالته السامية». لكن ردود فعل الديمقراطيين والصحافة والمراقبين عموماً، على الخطاب لا تشي البتة بأن الرئيس نجح في توحيد الاتحاد تحت زعامته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"