دبي.. الإمارات.. والتعددية

04:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

يوجد في دبي ود وإلفه، يوجد تسامح يحترمه الجميع وتقاليد يحترمها الجميع، يوجد احترام للذات والآخرين، يوجد اتزان وامتياز وحضارة

(الشيخ محمد بن راشد في كتابه، رؤيتي)

كنا خمسة أشخاص نستقبل وفداً مكوناً من أربعة أفراد من إحدى الأقطار الأوروبية، جاء للبحث عن فرص للاستثمار التجاري والتصنيع، وذلك قبل أيام قلائل مضت.. ونحن الخمسة، كنا نشكل وفداً يمثل مؤسسة تجارية وصناعية وطنية في دبي وبقية الإمارات.. وكان منا إماراتيان، أحد أبنائي وأنا، وثلاثة آخرون مقيمون في دبي من مختلف الجنسيات، في هذه المؤسسة التجارية التي نمثلها نحن الخمسة.. وتطرق الحديث بيننا الى المميزات التي تتوافر في دبي وفي الإمارات، وقد لاتتوافر في أماكن أخرى في المنطقة.. وقمت بشرح هذه المميزات، أنا والذين معي، وكل واحد منا كان يركز على ميزة أو أخرى من تلك التي تساعد التجارة والاقتصاد الإماراتي على النمو، والتي بات لها قدم راسخ في مدينة دبي، القلب النابض والكبير للتجارة في الشرق الأوسط.

وأظهر كل منا للوفد الزائر، أن دبي تكاد تكون أكثر تهيئة الآن لتوفير التسهيلات أمام الاستثمار في حقل التجارة، من أي وقت مضى، وأننا بصفتنا تجاراً محليين نتطلع الى المشاركة مع من يرغب في الاستثمار في التجارة والصناعة... وبذلك نؤكد أن مكانة دبي التجارية ما زالت في أوج عزها، وما تعكسه بعض الوسائل الإعلامية في الخارج من صورة غير حسنة، بعيدة عن الواقع.

وقلنا للوفد الزائر، إن ظاهرة من الظواهر المميزة التي قد لا يجدها المرء في مكان آخر غير دبي، والتي تجعل من هذه المدينة أكثر تألقاً حضارياً، هي ظاهرة التعددية الثقافية والانتمائية العرقية والجنسية واللغوية... وضربت للوفد الضيف مثلاً بنا، نحن الخمسة الذين نشاركهم الاجتماع، وقلت لهم، إننا نحن الخمسة الذين نمثل مصلحة واحدة من المصالح في هذه البلاد نعد نموذجاً للتعددية والتعايش السلمي والأخوي... إنني، وابني، إماراتيان، والثلاثة الآخرون لبناني وباكستاني وإنجليزي، فنحن كما ترون نعمل ونعيش في هذا البلد في وئام وانسجام، مع أسرنا وأفراد عائلاتنا، ناهيكم عن الجنسيات العديدة التي تحتوي عليها مؤسستنا التجارية من مواطنين إماراتيين وهنود وإيرانيين وعرب من بلدان مختلفة. وأضفت للوفد الضيف، أن هذه هي دبي، في تعددها الثقافي وفي احتوائها لمجتمع متجانس حضارياً، يقبل كل واحد الآخر بصدر فيه الكثير من الرحابة والسعة.

وقد شعرت أن لوقع كلامي أبلغ الأثر في نفوس الأشخاص الذين كانوا يمثلون الوفد الزائر، ولقي من لدنهم استحساناً، وقالوا إنهم كانوا يحسون بما أخبرتهم به، وهذا الإحساس جعلهم يأتون إلى هنا في أول زيارة عمل للمنطقة... وقال أحدهم إن ما قلته لهم عن التعددية الثقافية في دبي هي التي تعطيها وجهاً حضارياً مشرقاً قليل المثيل.

وقد أردت بهذه المقدمة لحديثي هنا، أن أبين أن الإمارات قد كسبت سمعة عالمية بتعدديتها الثقافية وبالتجانسية والتناسقية في هذه التعددية، وليس هناك مجتمع متمدن في عالمنا اليوم إلا ويسعى ليكون على هذه الشاكلة من التعددية والتعايش الوئامي بين الفئات التي تشكل هذا المجتمع.. وأي مجتمع يقاوم هذه التعددية ولاينظر إليها بعين القبول، يعتبر في العرف الحضاري مجتمعاً خالي الوفاض من التحضر والمدنية.. ولابد أن نقر أن الامتعاض الذي يصيب بعض الناس جراء سماع مثل هذه الدعوات الإصلاحية، هو ظاهرة غير مقبولة وتقابل بالامتعاض من الغير أيضا، ومن الاجدى أن تكون أحاسيسنا تجاه الآخر المتعايش معنا أحاسيس إنسانية وحضارية، وأن الإمارات لم تكن لتصل الى هذه المرتبة من التنمية والعمران إلا بالتعاون والتآزر من مواطنيها ومن غيرهم ممن يعملون في هذه البلاد، وعلى سواعد هؤلاء قامت المنشآت التي تدل على الرقي والتقدم.. ومن الواجب، اذا أردنا أن يكون لهذا الرقي وهذا التقدم أساس الاستمرارية والاستدامية ونحب أوطاننا بالعمل لا بالقول والشعارات التنظيرية، أن نعطي كل أحد يعيش بين ظهرانينا إحساساً بأنه مشترك ومشارك لنا في بناء البلد وتنميته، وأنه لايقل في مشاركته هذه عن أي واحد منا، وبهذا المبدأ الحضاري والإيمان به سوف نحقق الهدف ونتغلب على الصعاب، ونجعل أفئدة من الناس في كل مكان تهفو إلينا وتتطلع أن تعيش في ربوعنا آمنين مطمئنين، وهنا تتبادر الى ذهني كلمة أخيرة تجتمع فيها الواقعية بالرؤية الحضارية والرؤية الإنسانية، يقولها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ويدوّنها في كتابه رؤيتي... إذا كان تحقيق التنمية واجب الحكومة الأول فهناك واجب لايقل أهمية يقع على عاتق المواطن ألا وهو الإسهام في إنجاح هذه المهمة، وهذا لا يتحقق بالصورة الصحيحة ما لم يشعر كل فرد، مواطناً كان أو مقيماً، بأنه جزء من الرؤية التنموية وبأن له مصلحة في الإسهام في تنفيذها وتحقيق أهدافها.

في دبي جنسيات كثيرة بعض مواطنها الأصلية لم تتوصل بعد إلى الصيغة التي تشيع السلام مع جيرانها، وربما كانت تعيش حال توتر شبه دائم أو تقترب بين الحين والآخر من حال الحرب. الإمارات معنية بإحلال السلام بين سائر شعوب الأرض لأنه لا يمكن للحرب أن تحل مشكلة لا يحلها السلام إلا ما ندر. ولا يمكن للتشنج والتوتر أن يحلا الحوار الهادىء. لكن الإمارات لا علاقة لها بالتوتر والحروب والخصام في مناطق العالم الأخرى.

الجميع في دبي موجودون لكسب عيشهم والتسابق على تحقيق التنمية وتعزيز المصالح وبناء الحاضر والمستقبل، ومن يعتقد غير ذلك فإن دبي ليست المكان المناسب له. أعتقد أن كل من يعمل ويعيش في دبي يعي هذه الحقائق ويلتزم بها ويعرف حدوده ومسؤولياته وواجباته، لأن دبي مدينة سلام وحضارة وتسابق على العمل والإنتاج والريادة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"