أزمة البطالة في البلدان المغاربية

03:14 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إدريس لكريني

الحرص على توفير فرص الشغل وتعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، مدخل أساسي لتعزيز السلم الاجتماعي بمفهومه الشامل والمستدام.

شهد كثير من دول العالم إشكالات اجتماعية كبيرة في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، وهي الأزمة التي أرخت بظلالها القاتمة على كثير من دول المنطقة، لتضاف إلى مجمل الاختلالات البنيوية التي تعانيها مجمل الدول المغاربية.

فعلى امتداد العقود الأخيرة، ظلت قضية التشغيل على رأس أهم الإشكالات المطروحة أمام صانعي القرار داخل البلدان المغاربية مجتمعة. وعلى الرغم من التشريعات الصادرة في هذا الخصوص، والمبادرات المختلفة المتخذة، في ما يتعلق بالسياسات العمومية ذات الصلة، ما زال الموضوع مطروحاً بحدّة داخل هذه الأقطار، بالنظر إلى نسبة البطالة المتفشية في أوساط حاملي الشهادات الجامعية والتي تؤكدها المعطيات الإحصائية الرسمية وغير الرسمية، ووجود اختلالات واضحة في ما يتعلق بالعرض والطلب في هذا الخصوص.

كثيراً ما خلفت مظاهر البطالة وسط فئة الشباب، أحداثاً اجتماعية تجسدت في اندلاع إضرابات وانتفاضات مختلفة. كما أن مطلب التشغيل نفسه، كان حاضراً بقوة ضمن الشعارات التي رفعها المحتجون خلال سنوات الحراك التي شهدتها دول المنطقة (تونس وليبيا)، وهي الشعارات التي ظلت حاضرة أيضاً ضمن الموجة الثانية من الحراك التي شهدتها الجزائر.

على الرغم من التباين الحاصل بين الدول المغاربية على مستوى نسب البطالة، أو توافر فرص الشغل، فإن السمة الغالبة على السياسات العامة في الدول الخمس في هذا الصدد، هي أن مجمل فرص الشغل المستحدثة تظل هشة، ولا تسهم بشكل ملحوظ في تعزيز التنمية، خاصة أن القطاع العام ما زال يستأثر بنسب عالية في هذا السياق، على الرغم من التطورات التي لحقت بالمقاولة داخل عدد من الدول المغاربية.

يؤكد كثير من الباحثين أن الحرص على توفير فرص الشغل وتعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، مدخل أساسي لتعزيز السلم الاجتماعي بمفهومه الشامل والمستدام داخل البلدان المغاربية، كما هو الشأن بالنسبة لباقي الدول على امتداد مناطق مختلفة من العالم، وهو رهان لا يعني الدولة فقط، بقدر ما يسائل أيضاً الجماعات الترابية/‏المحلية، والقطاع الخاص، ويفترض لكسبه، استحضار مجموعة من المقومات والمداخل الاستراتيجية من قبيل إرساء تعليم متطور ومنفتح على سوق الشغل والتحديات الراهنة، إضافة إلى إعمال إصلاحات تشريعية ومالية مختلفة تدعم تطوير المقاولات، وتعزز فرص الاستثمار، علاوة على بلورة حوار اجتماعي بناء.

وفي هذا السياق، ورغبة في بلورة خلاصات تغني النقاش بشأن هذا الموضوع الحيوي في الأقطار المغاربية، شهدت مدينة مراكش مؤخراً تنظيم ندوة علمية بمشاركة عدد من الباحثين والخبراء والفاعلين من المغرب وتونس والجزائر وليبيا وموريتانيا.

وتوزعت أشغال هذا اللقاء العلمي بين جلسات علمية تم خلالها تسليط الضوء على ظاهرة البطالة وتداعياتها الخطرة على السلم الاجتماعي، واقتراح بعض الحلول التي من شأنها الإسهام في التخفيف من الظاهرة، مع التوقف عند الإشكالات التي يطرحها تطبيق التشريعات ذات الصلة داخل البلدان المغاربية، وتلك المتعلقة باستعارة اليد العاملة، والصعوبات العملية التي يثيرها تطبيق قانون العمال والعاملات داخل المنازل، خاصة على مستوى التعويض عن الأضرار وعن فقدان الشغل.

تم تناول موضوع حماية الدولة للأُجَرَاءِ، واستأثر العمل النقابي باهتمام كبير من لدن عدد من الباحثين والفاعلين، حيث تم تسليط الضوء على عدد من المشاكل التي أثرت سلباً في أداء النقابات داخل عدد من الدول المغاربية، كما هو الشأن بالنسبة للخلط بين العمل النقابي والسياسي، وعدم الانفتاح على المطالب الاجتماعية المشروعة بالشكل المطلوب، ما دفع إلى اللجوء إلى شبكات التواصل الاجتماعي ولعدد من هيئات المجتمع المدني لتصريف المطالب.

خلصت بعض المداخلات إلى أن تحقق السلم الاجتماعي بصورة مستدامة، يتطلب تجاوز منطق المناورة والتهدئة، إلى بلورة نصوص قانونية في مستوى التطلعات، وإرساء سياسات عمومية تضع المسألة الاجتماعية في صلب أولوياتها، مع تطوير المنظومة التعليمية انسجاماً مع ما يطرحه سوق الشغل من حاجات وكفاءات.

وقد أسفرت أشغال الندوة عن طرح مجموعة من الخلاصات والتوصيات، حيث تم تأكيد أهمية المفاوضات الاجتماعية في ترسيخ السلم الاجتماعي، مع ربطه بتوفر الشروط الكفيلة التي تضمن مرورها في ظروف سليمة، وعلى ضرورة بلورة تواصل بناء ومستمر بين الفاعلين الاجتماعيين، مع دعوة صانعي القرار إلى تفهم تطلعات الشباب المغاربي، واستحضار التحليل الأنثروبولوجي والسوسيولوجي للحراك الشعبي الذي تشهده بعض الدول المغاربية.

كما أكد المشاركون أيضاً، أهمية وضع مسافة بين العمل النقابي والحزبي، وإعادة النظر في سياسات التشغيل بما يتماشى مع حاجات المجتمع.

وشكل اللقاء مناسبة للمطالبة بتعزيز قانون العمال والعاملات المنزليات بمقتضيات تشيع الثقة بين طرفي العلاقة القانونية وتدعم الأمن القانوني، وبتعديل التشريعات المتعلقة بأجَراء الدولة غير الرسميين، والتنصيص على أحقية المؤقتين والمياومين في التعويض أو الإرجاع إلى العمل بعد الاستغناء عن خدماتهم، فيما تمت الدعوة أيضاً إلى تخفيض ساعات العمل الليلي بالنسبة للمرأة، وكذلك الأمر بالنسبة لساعات العمل بخصوص الأجير المرضعة، مع تفعيل الجزاءات المالية في مدونة الشغل لحماية الأمومة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"