معجزة الانتقال إلى عالم أخضر

04:50 صباحا
قراءة 4 دقائق

لأول مرة، تتحول محطات الوقود في بلادنا إلى ما يشبه مدن الأشباح، فمنذ أسابيع، ونحن نقف أمام مشهد لم نره قط من قبل، محطات الوقود خاوية مقفرة في بلد النفط ولا وقود . . إنها لمفارقة كبرى .

مخاوف كثيرة ونقاشات مالية واقتصادية، أثارها هذا المشهد لدى فئات كثيرة من الناس، لكنني سرت في اتجاه آخر، نأيت بفكري ورحت أفكر في درجة اعتماد الإنسان اليوم على الموارد الطبيعية التي قد تنفد في أي لحظة .

ومع أن البشر يعلمون تماماً أن حياتهم إلى زوال، لكنهم يتوهمون أن تدفق الموارد الطبيعية سوف يستمر طيلة الحياة، فترى الكثيرين يظنون أنهم سيستفيدون من هذه الموارد مهما طال الزمان .

إن الحكومة في بلادنا، تعمل يومياً على اتخاذ الخطوات الجادة التي تتيح لنا العيش من دون الاعتماد الكلي على النفط، كما أن الجهود الحثيثة المبذولة في قطاع الطاقة المتجددة تهدف إلى مستقبل أفضل، مستقبل لا تعج فيه محطات الوقود القليلة المتبقية في المدن، بصفوف السيارات التي تكاد لا تعرف نهاية .

هي معادلة فيها جانب مثير للقلق، ليس على مستوى الحكومة أو على مستوى الشركات، إنما على مستوى الأفراد، فالإنسان عندما ينظر حوله في أي اتجاه، عليه أن يتذكر مسؤولياته تجاه العالم الذي يعيش فيه، وصحيح أن الشركات الصديقة للبيئة تطلق باستمرار حملات للتوعية بأهمية إعادة التدوير والعمل على حماية البيئة، لكن هذه الحملات، على ما يبدو، غير كافية للبدء في رسم معالم خضراء وكاملة لكل فرد .

نحن نعمل جميعاً على المساهمة في إعادة التدوير بصورة أو بأخرى، فأغلبنا يعمد عند التسوق إلى شراء الأكياس القابلة للتدوير عوضاً عن الأكياس البلاستيكية، وهذه خطوة مهمة رغم بساطتها، لأنها تعكس تغير نمط التفكير وأسلوب الحياة، كما أنها ليست خطوة سهلة أبداً، بل يمكن القول إنها مهمة شاقة، فكي ينتقل الإنسان إلى عالم أخضر، عليه أن يغير الطريقة التي يفكر بها تمام التغيير، وأن يستعد للعيش في بيئة خضراء تكون القاعدة الأساسية في كل خياراته المستقبلية .

نبدأ بخطوة جادة، نستعد، ثم نقفز نحو الهدف، ولابد حينئذ من مواجهة الحواجز والعقبات والتغلب عليها . إذ ليس من السهل التوجه كلياً نحو حياة خضراء، وثمن ذلك باهظ جداً لأننا سوف ندفع مبالغ طائلة لشراء أي بديل للطاقة لتجهيز منازلنا، فلو أردنا مثلاً الاستفادة من الطاقة الشمسية، فعلينا شراء خلايا وألواح خاصة بثمن يفوق التصور، بالرغم من أن فكرة تحويل الطاقة الشمسية بسيطة ومنطقية .

لكننا مع ذلك، يمكن أن نلتزم بهذا النمط الحياتي ونعتاد عليه حتى نسير بخطوات خضراء في درب الحياة، وحينها تصبح عندنا خيارات كثيرة، حصان؟ دراجة هوائية؟ أم سيارة كهربائية؟

نحن، نعيش في بقعة من الأرض نستبعد فيها حتماً، الحصان والدراجة الهوائية، ويبقى الاعتماد على السيارة الكهربائية أمراً منطقياً .

وبهذا، نكون قد قفزنا قفزة نوعية، وتركنا خلفنا عقلية الماضي، لكن، هل يمكن لأحدنا أن يتخيل ما إذا كانت السيارة الكهربائية، تناسبنا فعلاً، أعني من حيث السرعة والمواصفات الأخرى التي تعطينا الفرصة للمناورة والسباق كيفما نشاء على الطرقات في ظل ازدحام السير الذي تعرفه بلادنا؟

ولو ذهبنا إلى أبعد من ذلك، هل يستطيع أحدنا التخلي عن متع الإجازة التي نستخدم فيها عشرات الغالونات من الوقود التي تطلق في البيئة انبعاثات كربونية ضارة؟

قبل تلقي الجواب منك، سأقول لك، إن أعواماً من الالتزام باستخدام مواد قابلة للتدوير، تمحوها رحلة طيران واحدة نحلق فيها في جو السماء .

أما زلت عازماً على الانتقال إلى العالم الأخضر؟ إذا كان الأمر كذلك فاسمح لي أن ألقي عليك التحية، لأن مثل هذه الخطوة تتطلب شجاعة كبيرة، ففي الوقت الذي تبدأ فيه التحول إلى الحياة الخضراء، سيكون هناك الكثير من الناس ممن لم يقوموا بهذه الخطوة بعد، حينها سينتابك شعور بأنك شخص نباتي تجلس إلى مائدة كل من عليها يتناولون اللحوم .

أن تكون إنساناً بيئياً أو إنساناً أخضر، ليس أمراً بسيطاً، فهو يرتكز على مفهوم كبير يحتاج إلى حملات إعلانية، وندوات توعوية كثيرة، أولا تحذر كبرى شركات التبغ من مضار التدخين، ويكون التحذير حتى على علب السجائر؟ وبالرغم من علم المدخنين أن التبغ يحتوي على مواد قاتلة، لكنهم يستمرون في إشعال السيجارة تلو الأخرى .

من أجل ذلك، وقبل الانتقال إلى أي خطوة إيجابية تحتاج إلى تغيير جذري، لا بد من غسل العقول وتغيير النفسيات، والتفكير القائم على الجشع وحب الذات والأنانية، وإذا ظل الإنسان يفكر في نفسه في الدرجة الأولى ويضع الطبيعة في الدرجة الثانية، فإن البدائل للانتقال إلى عالم أخضر ستبقى مكلفة، بل باهظة الثمن وصعبة المنال، وسيبحث الإنسان دائماً عن الخيارات المتاحة والأقل كلفة .

من الناحية النفسية، يحتاج أسلوب الحياة الأخضر إلى الإيمان به، مثل الإيمان بأي مبدأ آخر في الحياة، فلابد من أن نغير منهج الحياة، وأن نقرب الأسلوب الجديد من قلوبنا، في البداية قد يصعب تقبل الأمر، وكلما تقدمنا، سوف نتعثر في دروب يصعب سلوكها، لكن علينا التقدم لأننا نثق بأن كل ما نقوم به سوف يعود علينا بالفائدة .

ليس من السهل أن نقنع من حولنا ليؤمنوا بما نؤمن به، لكن المعجزة يمكن أن تحدث في يوم من الأيام، وما أحوجنا اليوم إليها .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"