تطور التسوّل

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

التسوّل ظاهرة عالمية تتعدد أشكالها وتختلف، وفق عادات وتقاليد كل مجتمع، وفي الغالب تتنامى في مجتمعاتنا العربية وتتفاقم في المناسبات الدينية بما فيها شهر رمضان الفضيل وما يتبعه من أعياد، إذ يجد أصحابها فرصة لاستغلال المجتمع بفئاته، بحجة تعاظم الأجر، ونيل الحسنات، وما أكثر الطيبين الذين يقعون ضحايا لاحتيال المتسولين.
وعلى الرغم من إبداع المتسولين في تحديث وتطوير طرائق الاستعطاف الاحتيالية، إلا أن المجتمع أصبح لديه الوعي الكافي لمواجهة لتلك الفئات الضالة، إذ باتت قصصهم ورواياتهم «مستهلكة»، يعرفها الجميع، وينتبه إليها الصغير قبل الكبير، فضلاً عن الجهود المشهودة للجهات المختصة للتصدي لأصحاب هذه الفئة التي تحاول أن تنخر في المجتمع وأفراده.
ومع فشل المواقف الدرامية التي يصطنعها المتسول، وفقدان خطبته العصماء للبلاغة المؤثرة في الضحايا، تطورت الظاهرة لتنتقل من التسول «وجهاً لوجه»، إلى العالم الافتراضي عبر صفحات وحسابات وهمية وأسماء مستعارة على الشبكة العنكبوتية، لأشخاص وحملات تجمع مساعدات وتبرعات مالية وعينية، لتجاوز ظرف مالي معين، أو نجدة مرضى، أو مساعدة الفقراء والأيتام.
استوقفتني رواية واقعية لامرأة، تواصلت معي عبر إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، وطلبت المساعدة، وقدمت قائمة مدروسة تضم إعانة الأيتام، ومساعدة أسر الفقراء والمساكين والمحتاجين، والمرضى، مصحوبة بكمٍّ هائل من الصور التي تهتز لها مشاعر الإنسانية، وتركت لي حرية الاختيار للفئة التي أرغب في مساعدتها، وكأنها جمعية خيرية لديها قدرات وممكنات، لنكتشف في النهاية أنها تمارس نشاطها من خارج الدولة.
يجسد هذا التحول تقدماً نوعياً في أدوات عمل المتسولين، إذ إن لديهم قدرات خارقة على التطور ليس في أساليبهم فحسب، بل وطرق استمالة واستعطاف الضحايا، حتى لو كان ذلك من خلف شاشة الحواسيب وعبر التطبيقات الذكية التي تسود أركان حياتنا هنا وهناك، وهنا تكمن أهمية استنهاض الجهود والارتقاء بدرجة الوعي لدى المجتمع بفئاته لمواجهة تطورات التسول.
تجاوب أفراد المجتمع مع المتسولين داخل الدولة أو عبر الإنترنت، سلوك مرفوض، ولا يقلّ في الجرم عما يفعله مستغلو قدوم الأيام المباركة، وإن كان العطاء ثقافة دينية ومجتمعية في الإمارات، علينا أن نطبقها بالشكل الصحيح، وبطرائق مشروعة لا تقبل التشكيك، وأعلم أن المتسول يسأل الآلاف، ليستولي على حقوق المحتاجين الحقيقيين.
التعاون مع الجهات المختصة ضرورة ملحّة، وتكاتف المجتمع، لمناهضة التسول، واجب ديني ومسؤولية، يجب أن يعي مضمونها الجميع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ysh775k6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"