عادي

تعرف إلى ثلاثة أعلام عظام في مملكة الرواية

21:39 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: «الخليج»

تجري الكاتبة العراقية لطفية الدليمي في كتابها «مملكة الروائيين العظام» حوارات افتراضية مع كتاب ينتمون إلى ثقافات غربية، الكتاب مكون من ثلاثة أجزاء، وقد وصفت الكاتبة هذه الحوارات بأنها «مناجيات» وجمعت فيها بين «كازنتزاكيس وهيرمان هيسه وماركيز».

تبدأ الحوارات (المناجيات) بكازانتزاكيس، فتكتب الدليمي عن عبارته التي كانت مفتاح سر حياته وكفاحه: «توصل إلى ما لا تستطيعه» وتدعو إلى مواصلة السعي على مدى العمر القصير، لإنجاز صيرورتك الإنسانية، حيث يدعو كازانتزاكيس إلى التحرر من قيود الزمان والمكان.

كان الدرس الذي تعلمته الكاتبة من الروائي العظيم هو: عليك أن تختبر الطرق الوعرة، وأن ترتقي المنحدرات الخطرة، ستجرحك الأشواق، والصخور تدمي قدميك، دع الطرق المستقيمة، فإنها لا تعزز قوتك، اختبر ذاتك في الصعب، الذي تتجنبه الأرواح الواهنة، لا تتردد، سترتكب كثيراً من الأخطاء، لكنك ستنجح أخيراً، ستفوز بروحك الحرة، وتتألق جوهرة الوعي والحرية في ذاتك.

تكتب الدليمي على لسان كازانتزاكيس: «هدف الحياة هو الخلود، لكن الحياة ذاتها تبقى مصدر دهشتنا، فهي تبدو مقاومة لكل قانون ومضادة للطبيعة، وأنها بلا بداية كالموت، وأن كل ما حولنا هو من ابتداع أذهاننا، فكل ما نراه ونسمعه ونتذوقه ونلمسه هو من ابتداع أذهاننا، فالشمس تشرق في رأسي، والنجوم تشع في دماغي مع الأفكار وتملؤني الأغاني والنحيب، وعلينا أن نميز هذه الحقائق الإنسانية».

  • قانون الانعكاس

يقول هيرمان هيسه: «حين تحتاج إلى شيء ما حاجة ماسة ثم تجده، فهذه ليست مصادفة، إنها رغبتك الملحة واندفاعك الحار هما اللذان يقودانك إليه»، ويبث الحماس في دواخلنا حين نقرأ كلماته «عليك أن تجرب المستحيل لتصل إلى الممكن» ويثير إعجابك بقوله «إذا كنت تكره شخصاً ما، فأنت تكره شيئاً ما بداخلك تجده فيك، فما ليس بداخلنا لا يزعجنا» ملمحاً إلى قانون الانعكاس الذي يعتبر إحدى السنن الكونية.

يبحث هيرمان هيسه، وهو في عزلته المحكمة، في أسرار الروح والسحر والموسيقى، يمزج بين سيرته الذاتية وسير أبطال الروايات، يتحدث عن الواقع، فيصفه بأنه مضجر، وينبغي على الإنسان تحت أي ظرف ألا يرضى به، ولا يستسلم له ولا يخشاه، لأن الواقع أمر عرضي يتكون من فضلات الحياة، ولا بد من رفضه لنبرهن له أننا أقوى منه.

خاصمه الأصدقاء والقراء، واتهمته الصحف بالخيانة، لأنه عارض الحرب، رفض صيغة التعليم المدرسية، وعانى هجمة العتمة على روحه، فغدت جميع المتع زائفة، واضطرب وأصابه القلق، يرى أن بين الذئب والإنسان حالة تشابك، في داخل الذات الإنسانية.

ويصف ذئب البراري، حين يرتاب من العالم، ويرتاب من المفكرين، لأن الإنسان والذئب سيضطر كل منهما إلى التعرف إلى الآخر، من دون أقنعة المشاعر الزائفة، وسوف يتواجهان، فإما أن ينفجر الوضع بينهما، فيفترقان نهائيا، ويختفي الذئب إلى الأبد، وإما يتوصلان إلى تفاهم على ضوء السخرية.

أراد هيسه أن تخلو روايته الذهنية «لعبة الكريات الزجاجية» من الحبكة، فاتخذت شكلا مقتبسا من التناسخ في الفلسفة الهندية، وأثارت الحيرة بين القراء والنقاد، فقال إن مفردة الرواية في معظم اللغات الأوروبية القديمة تعني «اللاشكل» فهي رواية ترد على عصر الحروب وعصر الخراب الروحي والثقافي، وهي كتاب فلسفة ورياضيات وثقافة وتأريخ وحكمة، بالإضافة إلى أنها كتاب عن عظمة الموسيقا.

  • اضطراب الواقع

كان آخر حوارات لطفية الدليمي مع ماركيز، وكانت نصيحته لها: «خذي الحياة وانجي بنفسك وأحلامك، فنحن قد لا نبلغ البحر، ولكن لن نعود إلى الوراء» ويعترف بأن إنجازه الأدبي الأهم هو «خريف البطريرك» وأن نجاح روايته «مئة عام من العزلة» لم يكن عادلاً، وأن الشهرة دمرت حياته لأنها تؤدي إلى اضطراب الإحساس بالواقع، مثلما تفعل السلطة.

خلاصة ما قاله ماركيز: إن قصص الحياة السعيدة، لا تدفع بعالمنا إلى الأمام، بل إن ما يحرضه ويجدده، وينقذه من التحلل والفناء، تلك القصص والأحداث التي تقترن بالمآسي.

هل هناك أمور مشتركة بين هؤلاء الروائيين العظام حتى تضمهم لطفية الدليمي في كتاب؟ ربما تكون جائزة نوبل التي حصل عليها ماركيز سنة 1982 وهيرمان هيسه عام 1946 وكان كازانتزاكيس مرشحاً لها عام 1956 وكشفت وثائق الجائزة، التي يفرج عنها من وقت لآخر، أن كامو فاز بها في هذا العام بفارق صوت.

إنهم يشتركون أكثر في حب الأشجار «وهي تقف بشموخ وحدها» كما وصفتها لطفية الدليمي، حيث قال هيرمان هيسه: أحب الأشجار، تواصل حفيفها مع كل غروب، من دون أن تطرح الأسئلة، بينما نقف نحن محتارين أمام أفكارنا الحمقاء.

كانت الأشجار الواعظ الأعظم تأثيراً في الروح، إني أبجلها – كما يقول هيسه – سواء كانت تحيا في مجموعات أسرية في الغابات والبساتين أم منفردة وحدها، وكلما وقفت بمفردها يزداد تبجيله لها: «فرأيتني شجرة واحدة، تصارع العاصفة والزمن، وترفض وقوفها العاجز، وتحقق وجودها وفق قانونها الخاص».

تقول الدليمي إنها تعلمت من مناجياتها مع كازانتزاكيس ألا تؤمن بالحدود: نحن نغني، رغم أنه لا وجود لمن يسمعنا، ولا أحد يدفع أجورنا، نكتب لأنفسنا، ولا نعمل للآخرين، نحن أسياد بساتين العالم، البستان ملكنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/53mkxde4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"