عادي

انهيار «كريدي سويس»...أزمة ثقة أم عدوى من المصارف الأمريكية؟

23:26 مساء
قراءة 4 دقائق

إعداد: خنساء الزبير

بعد الإنقاذ الطارئ لبنك «كريدي سويس» بالاستحواذ عليه من قبل منافسه «يو بي إس» صبّت السلطات السويسرية كامل تركيزها على الانهيارات المصرفية داخل الولايات المتحدة وقالت: إنها السبب في دفع البنك السويسري المنكوب إلى حافة الهاوية.

فقد بدأ الهبوط الأخير في أسعار أسهمه مع انهيار بنك «سيليكون فالي» في الولايات المتحدة ولكنه تضاعف بعد أن أعلنت هذه المؤسسة السويسرية البالغة من العمر 167 عاماً أنها وجدت نقاط ضعف مادية في إجراءات إعداد التقارير المالية.

وجاءت الضربة القاضية عندما أكد البنك الأهلي السعودي -أحد كبار المستثمرين- أنه لا يستطيع تقديم أي تمويل إضافي لبنك كريدي سويس؛ مما دفع إلى الإعلان عن قرض يصل إلى 50 مليار فرنك سويسري (54.2 مليار دولار) من البنك الوطني السويسري. وعند هذه النقطة انخفضت أسهمه بنحو 98% من أعلى مستوى لها على الإطلاق بلغته في إبريل 2007.

وحتى القرض الذي تلقّاه لم ينجح في استعادة ثقة المستثمرين، وتدخلت السلطات السويسرية كوساطة لبيع البنك الطارئ إلى «يو بي إس» مقابل 3 مليارات فرنك سويسري خلال عطلة نهاية الأسبوع.

تبرير وإقرار

الأسبوع الماضي عزا رئيس مجلس إدارة كريدي سويس، أكسل ليمان، انهيار البنك إلى الكارثة التي شهدها النظام المصرفي الأمريكي؛ إذ قال: إن التطورات التي انبثقت من البنوك في الولايات المتحدة ضربتهم في أكثر وقت حرج.

وأضاف: إن البنك قد تمكّن في العام الماضي من التغلّب على حالة عدم اليقين العميقة في السوق، ولكنه هذه المرة لم يتمكن. وأقرّ بأن فقدان الثقة المتسارع والتصعيد خلال الأيام القليلة الماضية يوضحان أن «كريدي سويس» لم يعد من الممكن وجوده في شكله الحالي.

وسلّم بالحل الذي توصلوا إليه قائلاً: «يسعدنا إيجاد حل، وأنا مقتنع بأنه سيحقق استقراراً وأماناً دائمين للعملاء، والموظفين، والأسواق المالية، ولسويسرا «.

كما أعرب رئيس البنك الوطني السويسري، توماس جوردان، عن أسفه لتسبّب انهيار القطاع المصرفي الأمريكي في تسريع وتيرة فقدان الثقة في سويسرا، وهو ما ظهرت تداعياته في بيع بنك كريدي سويس.

ظروف مهيأة

ربما كان «كريدي سويس» في حالة تصدّع جعلت سقوطه سهلاً؛ فقد بدأ هذا الهبوط اللولبي لأسهمه والتدفقات الخارجة للأصول قبل وقت طويل من انهيار بنك «سيليكون فالي»، في وقت سابق من هذا الشهر. وتعرّضت الهيئة التنظيمية السويسرية لانتقادات شديدة لسماحها للوضع بالتدهور؛ إذ قضى البنك سنوات غارقاً في الخسائر والفضائح.

وفي مقابلة مع شبكة «سي إن بي سي» صرّح مارك يالوب، رئيس مجلس معايير الأسواق المالية في المملكة المتحدة، الرئيس التنفيذي السابق للمملكة المتحدة في «يو بي إس» بأنه يتفق مع التقييم العام بأن انهيار «كريدي سويس» كان «غريباً».

وقال: «من المؤسف أن مشاكل بعض البنوك الأمريكية الصغرى في الأسبوعين أو الثلاثة الماضية حدثت في ذات الوقت الذي حدثت فيه هذه المشكلة في كريدي سويس، لكنّ الاثنين مختلفان تماماً، وغير مرتبطين إلى حد كبير».

وأقرّ بأن مشاكل «كريدي سويس» تتعلق بتاريخ طويل من تغيير الإدارة العليا، بجانب خطة متعثرة، وسلسلة من المخاطر التشغيلية، ومشاكل الرقابة والامتثال.

وجاء تصريح البنك الأهلي السعودي بما يوحي برفض التمويل بمثابة القشة التي قصمت ظهر الأسهم، ودفعت بها إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، وقيّضت جهود استعادة الثقة رغم القرض الكبير البالغ 50 ملياراً من البنك الوطني السويسري.

اتهام الضحية

إن الإجراء السريع من جانب الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة يُنسب إليه الفضل إلى حد كبير في النجاح في القضاء على أي عدوى محتملة للنظام المالي الأمريكي، وهنا يطرأ السؤال عن مدى تسبّب انهيار بنك «سيليكون فالي» في زوال بنك كريدي سويس. فعلى العكس من ذلك تعرّض كلّ من النظام المصرفي السويسري والسلطات التنظيمية السويسري لانتقادات شديدة؛ إذ يرى بعض المحللين أن انخفاض سعر سهم كريدي سويس كان قادماً، وأن فقدان ثقة العملاء قد تبلور بالفعل عندما تعرّض البنك لانهيار شركة «جرينسيل كابيتال» في عام 2021.

وفي الواقع كانت مشكلة صندوق جرينسيل ذات حجم كبير؛ لأنه تم تسويق هذا الصندوق لمجموعة كبيرة من عملاء «كريدي سويس» الأفراد أصحاب الثروات العالية باعتباره صندوقاً آمناً للغاية كوسيلة للحصول على عائد في عالم تنخفض فيه العوائد. وعندما انفجرت الفقاعة خسر كثيرون المالَ وفقدوا الثقة بالبنك.

وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر أجبرت اللوائح الجديدة البنوك السويسرية على التخلي عن سرية العميل التي انتهجتها لعشرات السنين، وخاطرت بعض البنوك -مثل كريدي سويس- في محاولة للاحتفاظ بربحيتها ومنع العملاء أصحاب الثروات العالية من أخذ أموالهم إلى مكان آخر.

وفقد كريدي سويس ثقة أفراده المتبقين من أصحاب الثروات العالية من خلال جرينسيل، وسلسلة من القضايا الأخرى على مر السنين؛ مما يعني أن البنك هو من أضر بذاته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc6vjaeh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"