عادي
- قرأت لك

محمد خليفة بن حاضر..شاعر الحياة

20:54 مساء
قراءة 4 دقائق
2

الشارقة: يوسف أبولوز

- الناشر: دار غاف

- حسناً فعلت دار قاف في دبي، بإصدارها ديوان الشاعر محمد خليفة بن حاضر «في موكب الحب والحياة»، أحد أعمدة القصيدة الخليلية المتماسكة الرزينة في الإمارات، وفي الوطن العربي، وهو أيضاً أحد المدافعين عن اللغة العربية، وأحد كبار متذوقيها؛ بل وحرّاسها بشعره، ونثره، ومواقفه الثقافية العديدة التي تؤشر على شخصية شاعر بلغته الأم، بوصفها تاريخه، وهويته، وعلامته اللغوية والحضارية والثقافية بين الشعوب والأمم الحية في العالم.

كتب للديوان مقدّمة احتفالية واحتفائية بالشعر والشاعر، وفوق ذلك، هي مقدمة جاءت بلغة تنسجم تماماً مع روح محمد خليفة بن حاضر - المتماهية تماماً مع لغة شعره وهويته وثقافته، ونفهم هنا من المقدمة وكاتبها الدكتور غازي مختار طليمات أنه أوفى الأمانة بصدق وضميرية ومهنية علمية حين قام بجمع شعر ابن حاضر وتصنيفه وتدقيقه وتحقيقه بخبرة رجل علم يعرف جيداً شعاب الشعر ومداخله ومخارجه كما يعرف أهل مكة شعابها.

يقول د. طليمات: «.. لقد ثابرت وصابرت، وكابدت في قراءة هذه الأشعار المبعثرة المتناثرة ما يكابد عالم الآثار في تعرف الطلل الدارس، وترميم التمثال المحطّم، لكنني، بعد المثابرة والمصابرة أياماً طوالاً خرجت من هشيم النظّيم بديوان نفيس من الشعر الساخر حيناً، الجاد حيناً آخر، المبدع الممتع في كل حين، أسميته «ديوان السَّمر»، واستلهمت اسمه من معاني الأشعار، وسجية الشاعر..». ويوضح د. طليمات أن أشعار هذا الديوان، جلّها لا كلّها، تصور ما كان يدور في مجلس الشاعر العامر بالعلم والأدب، وتعبّر عما عرف به ابن حاضر من سعة في الثقافة، ورحابة في الصدر، وكلف بالمسامرة، وبراعة في المحاورة، وإيناس في مجالسة الناس، وقدرة على إقناع الأنداد بمنطق محكم، وحجج دامغة، وبيان متدفق، وفصاحة في الخطاب، وطرب للنكتة وإطراب، وسرعة في البديهة، وحفظ للحكم...

عن المنهج الذي تبعه د. طليمات في تقسيم وتصنيف وتدقيق وتحقيق ديوان محمد خليفة بن حاضر، يقول د. طليمات إنه سلك فيه مسلكاً تقليدياً.... طغت فيه اللغة على الأدب، والمبنى على المعنى، والتنسيق المنهجي على الإخراج الفني، وتفسير المفردات على شرح الأفكار.

.. وأياً كان المنهج أو المسلك الذي اختاره د. طليمات في جمع حفظ وتوثيق شعر ابن حاضر، فالرجل قام بجهد بحثي توثيقي، يتسم بالصدق والأمانة والمهنية البحثية أو الأكاديمية، أما الانطباعات التي ساقها الباحث عن ابن حاضر، فلا أحسبني أزيد عليها إلا ما يؤكدها ويؤكد جوهر صاحب «في موكب الحب والحياة» وقد صار ديواناً موثوقاً قائماً بذاته وروحه الآن في المكتبة الشعرية الإماراتية.

*ميزان الذهب

كان محمد خليفة بن حاضر شاعراً من رأسه حتى أخمص قدميه كما يقولون، كله شعر في صباحه وفي مسائه، في حله وترحاله، وفوق ذلك كان «أبو خالد» متذوقاً كبيراً للشعر وتحيل هذه الملاحظة إلى فطرته النقدية تجاه ما كان يكتب وينشر من شعر في حياته، فقد كان يعد الخلل في اللغة أكبر من عيب؛ بل هو ضد وطنية الإنسان وضميريته الثقافية؛ لذا كتب شعره بميزان الذهب وأكثر دقة من هذه الميزانية التي تحيل إلى ما هو كنزي وثمين وغالٍ، وكان الشعر بالنسبة له أكثر من كنز.

شاعر وطني عروبي حتى العظم، شاعر مثقف ثقافة عروضية، وبلاغية، وجمالية حتى النخاع، شاعر حدسي أو حدوسي نشيط الذهن والفكر والروح حتى أبعد حدود النشاط، شاعر ممتلئ بالثقة تجاه قلمه ومداده الإبداعي حتى ما فوق الثقة، أنيق العبارة، جميل المعنى، طيب الحرف، وطيب الخليقة والأخلاق ليتطابق بذلك الشكل البشري الإنساني مع الشكل الشعري الأدبي الجمالي في شعره، وفي يومياته، وفي إيقاعه الحياتي الذي كان إيقاع رجل صاحب ضمير، وصاحب رؤية ثقافية مركزها أولاً وأخيراً عبقرية اللغة العربية.

تضمن الديوان 195 قصيدة كلها عمودية خليلية، وجرى ترتيب القصائد من بداية الديوان وحتى نهايته بحسب ترتيب الأحرف الهجائية من الهمزة إلى الياء، وسوف تنتظم قوافي القصائد وفق هذا الترتيب الهجائي، وسوف ألاحظ من فوري أن القصائد الست الأولى من الديوان جاءت على البحر الكامل، ثم لن يترك ابن حاضر بحراً من تلك ذات الإيقاعات الغنائية، أو السريعة، أو البطيئة إلا وكتب عليها، المتدارك، الوافر، الكامل، مجزوء الكامل، الطويل، الخفيف، البسيط، وغيرها من بحور يعرف – متى يختارها؛ بحيث يتناسب الوزن العروضي مع الموضوع الذي تحمله القصيدة، وتحمل معه جمالياتها، وبلاغاتها، ومجازاتها، وكناياتها المقنعة.

*سردية جمالية

محمد خليفة بن حاضر شاعر الجمال، وشاعر الوطن، وشاعر الصداقة، وشاعر المدن، وبعنوان عام هو شاعر الحياة بلغة كلاسيكية وإطارات وزنية تقليدية تاريخية، لكن روح القصيدة عنده دائماً حاضرة، حيوية، عصرية، منسجمة مع عصره، وروح عصره، وإيقاع هذا العصر.

شعر محمد بن حاضر سردية جمالية إن جازت العبارة، وهو توثيق أدبي جمالي للمكان الذي يعاينه بعينيه، كما ويعاينه أيضاً بقلبه، ولعل قصيدة «فَلَأنت حلمٌ يا دبيُ» تعد مثالاً حياً وجمالياً على هذه الشعرية الصادقة المولودة من قلب شاعر وعينيه.. يقول:

فَلَأنتِ حُلمٌ يا دبيُّ حضارةً

وثقافةً ونضارةً وجمالا

وَلأنتِ نَبْعٌ للفضائل والرؤى

يثري تدفقه العيون جلالا

وَلأنتِ وَجْهٌ للعروبة ناصِعٌ

والأخرياتُ تَخْذِنها أقوالا

وَلَأنتِ جَنّةُ عالمٍ متألقٍ

كسفينِ نوحٍ تعبر الأهوالا

فيها من الأجناسِ سائرها وفي

أنظارها الطوفانُ هَدَّ جبالا

لم يعدم الزوّار نعمة أمنها

والمُعْتَفون عطاءها والمالا

تتجاوز الوجع الفظيع ترفعاً

وتشيد للمستقبل الآمالا

لم يحمل هذا الديوان قصائد لابن حاضر جرت مجرى التفعيلة المتحررة، كما نعلم، من العمود الخليلي التقليدي، غير أن شاعر المعنى واللغة والحياة، كتب التفعيلة في بعض صحف الإمارات، وكتب التفعيلة بروح العمود، وإن لم تخني الذاكرة، فإن هذا الموروث الشعري التفعيلي لابن حاضر موجود في أرشيفات الصحف الإماراتية، وفي الأرشيف أيضاً موروث آخر لابن حاضر يتمثل في كتاباته النثرية التي تظهر فيها أفكاره ومواقفه في شأن اللغة والثقافة والفكر والمجتمع والحياة عموماً، وهو موروث ثمين يحتاج هو الآخر إلى جمع وتوثيق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ypeyz8k6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"