وثائق أمريكية محرجة

01:04 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

بغضّ النظر عن مدى صحة ما تضمنته الوثائق الأمريكية المسرّبة، من عدمها، حيث لا تزال تخضع للتحقيق وتقييم الأضرار والأخطار التي قد تلحق بالأمن القومي الأمريكي، فإنها أثارت جدلاً، من دون شك، حول العلاقات الأمريكية مع دول العالم، والطريقة التي تتعامل بها مع الأصدقاء والأعداء، على حد سواء.

 ليست المرة الأولى التي يتم فيها تسريب وثائق أمريكية، فقد كان يجري تسريب الكثير من الوثائق المضللة في إطار عمليات استخباراتية إبّان فترة الحرب الباردة، لكن أكبر عملية تسريب للوثائق، وأخطرها في التاريخ، هي التي نشرت على موقع ويكيليكس عام 2013، والتي احتوت على أكثر من 700 ألف وثيقة، ومقطع فيديو، وبرقية دبلوماسية. 

 واليوم تثار ضجة كبيرة حول تسريب نحو 100 وثيقة أمريكية، مصنفة على أنها «سرية للغاية»، وجرى نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي وثائق تختلف عما سبقها من تسريبات، لأسباب تتعلق بمضمونها، وتوقيتها، والجهة، أو الجهات المستفيدة منها. وكي لا نستبق الأمور، نشير إلى أن الاتهامات التي وجهت على الفور إلى روسيا بالمسؤولية عن تسريبها هي اتهامات ساذجة، ليس لأن روسيا متهمة دائماً وفي كل الأحوال فقط، ولكن لأنه تم إطلاقها حتى قبل بدء التحقيق الأمريكي الذي لا يزال جارياً حولها، وربما لإبعاد الشبهات عن المسؤولين الحقيقيين عن هذه التسريبات. فمن حيث المبدأ، لا أحد يشك في أن الوثائق المسرّبة أمريكية مئة في المئة، ومن يملكها هي الولايات المتحدة وحدها، وبالتالي فإن المسؤولية يجب أن تنطلق من فرضية وجود جهة أمريكية تقف وراءها.

 لكن هل تستفيد منها روسيا؟ ربما.. خصوصاً أنها تتضمن وثائق وتفاصيل تتعلق بالحرب الدائرة في أوكرانيا، ومعلومات عن القوات الأوكرانية، ودباباتها، وسلاحها الجوي، وأنظمة دفاعها الجوي.. والخسائر التي لحقت بها، إلى جانب التشكيك في قدرتها على شن الهجوم المضاد، أو ما يسمى «هجوم الربيع».. وما إلى ذلك، وكما هي العادة، فإن الأمر دائماً ما ينتهي بتدخل روسي لتعديل مضمون الوثائق والأرقام الواردة فيها لمصلحة موسكو، بهدف إعادة الاعتبار للرواية الأمريكية والغربية المعلنة. 

 على أية حال، لا تقتصر الوثائق المسرّبة على روسيا وأوكرانيا، وإنما تتعلق بالتنصت أو التجسس على أطراف ودول أخرى، معظمها من أقرب حلفاء الولايات المتحدة. وهنا يكمن الحرج الأمريكي، حيث ينظر إلى التجسس على الحلفاء على أنه انعدام للثقة، خصوصاً بوجود علاقات عمرها عشرات السنين، ما يفرض بالتالي على الولايات المتحدة، فتح نقاش معمّق مع الدول الحليفة، لإعادة بناء هذه الثقة، التي يرجح أنها ستكون على أسس جديدة. 

 ورغم أننا لا نستطيع معرفة حجم الضرر الذي ألحقه تسريب هذه الوثائق بالأمن الأمريكي، إلا أن توقيت تسريبها يمكن أن يكون أيضاً مشكلة حقيقية للولايات المتحدة، في ظل خسارتها للكثير من مواقع النفوذ في العالم، وفي ظل الصراع المحتدم لإقصاء الزعامة الأمريكية الأحادية عن قيادة العالم، والمحاولات التي تقودها روسيا والصين لبناء نظام عالمي جديد متعدد الأطراف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4dt6ez

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"