النظام الدولي وإعادة البناء

00:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

تتعدد توصيفات النظام الدولي القائم، منها أنه في حالة احتضار وتراجع وقيد التشكيل. لا خلاف على أن النظام الدولي ليس حالة ثابتة لا تتغير. فهو يقوم على عنصر رئيس منذ مؤتمر وستفاليا 1615 وظهور الدولة القومية كفاعل رئيس في العلاقات الدولية، وهذا الفاعل تحكم سلوكه القوة وقدرته في التأثير على سلوك الفاعلين الآخرين للاستجابة لأهدافه العليا. في هذا السياق، النظام الدولي يقوم على ركنين أساسيين هما الفاعل الدولي وهو الدولة، والعنصر الثاني القوة. وأي تغيير في العنصرين يترتب عليه تحول النظام الدولي من شكل لآخر، وعملية التحول هذه قد تحتاج لوقت طويل لاكتمالها. وآليات التغيير تتم من خلال امتلاك الدولة لعناصر القوة القائمة وهي عناصر متحولة، وقدرة امتلاك الدولة للقوة التي تحدد مكانتها على سلم القوة الدولية وقدرتها في التأثير على القرار الكوني وسياسات الفاعلين الآخرين.

 وهنا قد تكون الحرب أحد أهم آليات تغيير بنية النظام الدولي، ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك وصولاً للحرب الأوكرانية وقدرتها على فرض نظام دولي جديد.

 منذ تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى اليوم، شهدت العلاقات الدولية العديد من مظاهر التغير في بنية القوة، وفي دور المنظمات الدولية إضافة إلى تغييرات داخلية في الولايات المتحدة، وبروز دور الفواعل من غير الدول، وبروز وتصاعد دور القوى الإقليمية وأبرز هذه التغيرات بروز دور الصين كقوة عالمية تتنافس على قمة النظام الدولي بنجاحها في بناء قوة شاملة. 

إن نظام التعددية القطبية تبرز فيه أكثر من قوة وكل منها تمارس نوعاً من القوة، وهذه الرؤية تشكل تحولاً بنيوياً في هيكل النظام الدولي. ونظام اللا قطبية هو غير نظام التعددية القطبية، ويتميز بوجود مراكز متعددة تحوز قوة كبيرة نذكر منها الصين والهند واليابان وروسيا، إلى جانب الولايات المتحدة التي ما زالت تتمسك بهيمنتها وحفاظها على قوتها الأحادية. وهذه الدول تحوز أكثر من خمسين في المئة من سكان العالم، وثمانين في المئة من الإنفاق على الدفاع عالمياً. وإلى جانب هذه القوى هناك قوى إقليمية عديده مثل الأرجنتين والمكسيك وتشيلى وفنزويلا ومصر وإيران والسعودية وإسرائيل وكوريا الشمالية وإندونيسيا وباكستان. وبروز دور المنظمات الإقليمية والتحالفات الدولية كتحالف كومنولث الدول المستقلة الذي تقوده روسيا وتحالف «الآسيان» وتحالف «البريكس» الذي تقوده الصين، ولا ننسى حلف «الناتو» ومحاولة الدول الأوروبية إثبات دوره وقوته وخصوصاً في الحرب الأوكرانية. 

 في هذا النظام ورغم إرهاصات القوة ما زالت الولايات المتحدة القوة الرئيسية التي يزيد إنفاقها العسكري على 700 مليار دولار. وحجم الناتج القومى أكثر من 7 تريليونات دولار. ومع ذلك هناك تراجع نسبي في قوتها وفرض قرارها كونياً وتحكمها بمسار العديد من المنازعات والحروب الدولية.

 النظام الدولي يحتاج لوجود القوة المهيمنة والمبادئ والقواعد التي تنظم العلاقات الدولية، وهما في حالة تغير وعدم ثبات بتراجع واضح لدور الشرعية الدولية ودور الأمم المتحدة، والتحول في مضمون القوة ذاتها. ومع تنامي قوة الصين هناك العديد من الدعوات لتغيير النظام الدولي، وزادت المطالب مع الحرب الأوكرانية التي تلعب فيها الولايات المتحدة وأوروبا دوراً مباشراً بهدف إضعاف القوة الروسية والحيلولة دون تحولها لقوة عظمى. ولعل أحد أسباب التغير، هو تراجع الدور الأمريكي وما يواجهه النظام الديمقراطي الغربي من تحديات، وصمود روسيا في الحرب وقدرتها على مواجهة العقوبات ونجاحها في بناء علاقات باتجاه آسيا إلى جانب مطالبة الصين بتغيير قواعد النظام الدولي. وكما يقول كيسنجر إن الصين تتوقع وجوب احترام حضارتها القديمة وقوتها الاقتصادية في حين ترى الولايات المتحدة أن قيمها كونية يجب تثبيتها في كل مكان. ويبقى أن لا أحد يستطيع أن ينكر أن النظام الحالي في حالة من الاحتضار وقيد إنشاء بديل له.

 وكما جاء في تقرير المعهد الدولي لدراسات الشرق الأوسط والبلقان، أن هذه الحرب الأوكرانية هي الخطوة الأولى على طريق إقامة نظام دولي جديد وتقسيم العالم إلى مناطق نفوذ جديدة. ويبقى التساؤل عربياً كيف يمكن للنظام الإقليمي العربي أن يتعامل مع هذه التحولات ؟ هل يكون جزءاً منها أم يكون تابعاً لها؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycxxa6tp

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"