عادي

الفتنة أشد من القتل

22:38 مساء
قراءة 4 دقائق

دخلت «منى» مسرعة على أمها في المطبخ، وكأن حدثاً جللاً قد حدث، وتريد أن تقوله لها، اقتربت منها ونادتها بصوت منخفض: أمي.. أمي، فردت عليها أمها: ماذا تريدين يا منى؟ قالت «منى»: هل علمت من الذي كسر طبق الكريستال الأسبوع الماضي؟ ردت الأم في ضيق: لا يا «منى».. لم أعرف، فلقد ملت أمها مما تفعله، فهي دائماً تفتن على إخوتها وزملائها في المدرسة، عادة سيئة تحاول أمها إثناءها عنها بكل السبل ولكنها في كل مرة تفشل معها.

قالت «منى» ذات السنوات العشر: سمعت «كريم» أخي يقول لشقيقتي «سمر»: انتبهي حتى لا تكسري هذا الكوب أيضاً، كما حدث معي الأسبوع الماضي، والحمد لله ربنا ستر ولم تنتبه أمي لذلك. ردت أمها عليها قائلة: ألم أقل لك أن تكفي عن هذه العادة السيئة وتبتعدي عن الفتنة. ردت «منى»: ولكني لا أقول غير الحقيقة. سألتها أمها في غضب: ومن طلبها منك؟ قالت «منى»: لا أحد.. ولكني أحببت أن أريك من الذي يخرب في البيت ومن الذي يحافظ عليه. قالت الأم: وأنت طبعاً من يريد المحافظة على البيت! ردت «منى»: طبعاً يا أمي.. بدليل أنني أتيت إليك لأقول لك من كسر الكوب.

أمسكت الأم بيد ابنتها وقالت: يا صغيرتي.. ما تفعلينه شيء خطير، وقد يوقعك أو يوقعنا جميعاً في مشكلات كثيرة. لم تهتم «منى» كالعادة بكلام أمها، واستأذنتها أن تذهب إلى «سلمى» صديقتها وإبنة جارتها.. فسمحت لها الأم بذلك.

جرت «منى» إلى صديقتها ودخلتا معاً إلى حجرتها المليئة باللعب، ثم قامت لتقلب في اللعب وتمسك واحدة وتلقي بالأخرى ثم سألت «سلمى» عن عروستها الباربي. فأجابتها: أحمد شقيقي الصغير كسرها. فقالت «منى»: وكيف عرفت أن أحمد هو الذي كسرها؟ فقالت «سلمى»: لا أحد غيره يدخل حجرتي ويلعب بألعابي.

قالت «منى»: ليس وحده من يدخل حجرتك، فأنا وسلوى وآلاء أيضاً نأتي إليك ونلعب بلعبك. فردت «سلمى»: نعم أنت على حق، ولكننا نكون معاً ولم يحدث شيء، ولقد حزنت كثيراً عليها، فهي عروستي المفضلة. قالت «منى»: إن أحمد بريء يا «سلمى» فليس هو من كسرها. ردت «سلمى»: كيف عرفت أنه لم يكسرها؟ فقالت: لأني أعرف جيداً من كسرها. قالت «سلمى» باهتمام شديد: من يا «منى»؟.. من؟

ردت «منى»: إنها آلاء.. كانت معجبة جداً بالعروسة، وقالت لي أنها طلبت من أبيها شراء واحدة مثلها، ولكنه قال إنه لا يستطيع شراءها، فثمنها باهظ ولا يتوافر معه المال الكافي لشرائها، فقررت أن تكسرها حتى لا تراها مرة أخرى عندما تأتي إلى هنا، ولكن أرجوك لا تقولي لها إنني أخبرتك بذلك.

طلبت «سلمى» من «منى» أن تتركها بمفردها، فانصرفت دون أن تقول أي كلمة أخرى، ولكنها سعيدة بأن علاقة الصداقة بينهما بالتأكيد ستنتهي، وستكون هي الصديقة المفضلة لدى «سلمى». ذهبت «سلمى» إلى آلاء في منزلها لتعاتبها على ما فعلته، فوجدت سلوى عندها فأخبرتها بما فعلته آلاء، فردت سلوى مقاطعة: لم يحدث ما قلته. فقالت «سلمى»: لا بل حدث.

ردت آلاء: يا «سلمى» أنا فعلاً من كسر العروسة ولكن كان ذلك غصباً عني، ولم أقصد كسرها، فقد كانت موجودة على الكرسي وجلست عليها دون أن أنتبه فتحطمت، وكنت محرجة جداً منك فطلبت من سلوى ألا تخبرك بذلك ووضعناها وسط اللعب حتى لا تريها.

ردت «سلمى»: هذه ليست الحقيقة. فأقسم الاثنان على أن هذا هو ما حدث. ردت «سلمى»: ولكن «منى» قالت لي غير ذلك. فقالت آلاء: وما الذي قالته؟

حكت لهم «سلمى» ما قالته «منى» لها، فأقسم الاثنان مرة أخرى أن «منى» كاذبة وأرادت بذلك فقط زرع الفتنة بينهما، فاقتنعت «سلمى» وقرر الجميع مقاطعتها، ودعتهما «سلمى» للذهاب إلى شقتها ليلعبا معها، وما هي إلى دقائق ودخلت عليهم «منى» فواجهوها بما قالته وطلبوا منها الانصراف، ذهبت إلى المنزل وهي تبكي، فقابلها والدها وسألها عما يبكيها، فأخبرته بأن أصدقاءها قاطعوها بدون سبب، وما كاد الأب يتحدث إليها ليهون عليها ما هي فيه، حتى خرجت الأم وقالت: لقد فتنت على واحدة لدى الأخرى وأوقعت بينهما فاكتشفوا ذلك فقاطعوك.

انتفضت «منى» من المفاجأة بسبب ما قالته الأم، فهي تتحدث وكأنها كانت معهم ولم يروها، ثم توقعت أن تكون «سلمى» أخبرتها بذلك، ولكن الأم تعرف ابنتها جيدًا وتوقعت أن يكون ذلك هو ما حدث. وضعت «منى» وجهها في الأرض واعترفت بما حدث، فقال لها والدها: يا بنيتي.. ما تفعلينه قد يشعل حروبا بين الناس وبعضها، والفتنة ليست لعبة ولكنها من الأمور التي حرمها الله تعالى وشدد في عقوبتها.. فيقول الله تعالى في كتابه الكريم: {...وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [سورة البقرة: الآية 191].

وذكر الله تبارك وتعالى الفتنة هنا وقال أنها أشد من القتل، بمعنى أنك يا «منى» فعلت شيئاً ذنبه أكبر من أن تكوني قد قتلت أحداً، هل رأيت جسامة ما فعلتيه؟ قالت «منى»: إذن يا أبي هل سيدخلني الله النار؟ فقال لها: إذا لم تنته عن هذه العادة المقيتة وتبتعدي عنها، فسيدخلك الله النار جزاء لما تفعلين. قالت «منى»: وهل سيسامحني الله إذا لم أفعل ذلك ثانية. فقال الأب: بإذن الله سيسامحك، فالله تعالى غفور رحيم.

«منى»: إذن يا أبي.. أعدك أنني لن أكون فتانة بعد الآن، وسأحافظ دائما على صديقاتي، وأستأذنك الآن لأذهب إليهن وأعتذر لهن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5ak7p4zd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"