عادي

موت النجوم الضخمة

23:18 مساء
قراءة 3 دقائق

د. حميد مجول النعيمي *

تُعرّف بعض نجوم الكتل الكبيرة في الفيزياء الفلكية بأنها نجوم نيوترونية نابضة في مراحلها الأخيرة من حياتها، وهي مخلفات انفجار نجم من نجوم المستعرات العظمى (السوبرنوفا)، وحجمها يصل بقدر مدينة صغيرة ولها مجال مغناطيسي عالٍ جداً، وتدور حول نفسها بسرعة عالية لتكمل دورتها بعدد قليل من الثواني وبعضها بأجزاء الثانية، وخلال دورانها حول نفسها تبعث أشعة كهرومغناطيسية قوية جداً في اتجاهين لتصبح نجوماً نابضة. ويصاحب انبعاث هذه الطاقات العالية أصوات تشبه الطرق لذلك وصفت من قبل بعض المفسرين المعاصرين بالطارق، وتخترق أشعتها السماء بطاقتها العالية جداً وكأنها تثقب ما يحيط بها من مواد غازية وترابية وبذلك سميت بالثاقب. «وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ» الطارق 1-3. والله تعالى أقسم بالسماء والطارق، والطارق هو النجم الثاقب، أي: المضيء، الذي يثقب نوره، فيخرق الفضاء الذي حوله في الكون فينفذ حتى يُرى من الأرض بالمراصد الفلكية والفضائية المتطورة، وهو اسم يشمل مختلف النجوم ذات الطاقات العالية جداً التي لها نفس الخواص الفيزيائية، لكنها مختلفة عن خواص النجوم الشبيه بالشمس؛ إذ تبعث أشعة كهرومغناطيسية قوية جداً أثناء دورانها حول محورها بسرعة عالية جداً.

قبل عشرات السنين تم اكتشاف نجوم نيوترونية أخرى سميت بالمغانيط، فهي في الواقع نجوم نيوترونية عالية المغناطيسية جداً؛ إذ يبلغ مجالها المغناطيسي أكثر من 100 ضعف المجال المغناطيسي للنجوم النيوترونية العادية، وقد تكون هي تلك الأجرام السماوية ذات الطاقة العالية جداً والمرصودة عند حافة الكون المرئي التي تسمى بالكوازارات. تظهر هذه الأجرام عند مسافات بعيدة جداً وتعد مراكز مجرية لامعة جداً تصدر طاقات هائلة غير اعتيادية، وأينما تكون هذه الأجرام، فإن لمعانها الهائل يشير إلى أنها أبعد الأجرام السماوية التي يمكن مشاهدتها في الكون. ومن النجوم التي في مراحل حياتها النهائية (الميتة) الثقوب السوداء قد تكون هي الْخُنَّسِ. تتميز هذه النجوم بعدد من الخصائص: لا تُرى لا بالعين المجردة ولا بالمراصد الفلكية أو الفضائية، لأنها لا تسمح للضوء الخروج منها بسبب جاذبيتها الكبيرة، لكن نتحسس بوجودها من خلال رصد ما حولها من المادة (سرعة الهروب من على سطحها أكبر من سرعة الضوء)، ثم تجري بسرعات كبيرة وتأكل أو تشفط كل شيء في طريقها بسبب قوة جاذبتها الكبيرة جداً، ثم تبتلع وتجذب كل شيء في محيط جاذبيتها وكأنها تكنس صفحة السماء، وقد وصفها البعض بالمكانس الكونية العملاقة.

وقد تنطبق الصفات أعلاه عن تلك التي حدثنا عنها القرآن بآيتين كريمتين في قوله تعالى: «فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ» التكوير: 15-16.

الخنَّس أي الخانسة التي لا تُرى والجوارِ أي التي تجري، والكُنَّس أي التي تُكْنَس وتُجْذَب وتبتلع مع كل شيء حولها إلى الخُنَس بفعل الجاذبية الهائلة لها. في الواقع أن جميع النجوم بما فيها الشمس تولد وتموت وأن عمرها يعتمد على كتلتها، قال الله تعالى: «فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ» المرسلات 8 و9 «وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» التكوير 2، أي النجوم تنطمس و تنطفئ ويخفت ضوؤها عند وفاتها.

النجوم ذات الكتل العالية جداً أعلى من كتلة الشمس بعدد من المرات أو بعشرات المرات أو أكثر تنتهي وتهوى وتموت «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى» على شكل نجوم نيوترونية ( نجوم نابضة ) أو ثقوب سوداء فتصبح جاذبيتها كبيرة جداً، وبذلك فإنها تقوم بجذب ما حولها من مواد وأجرام سماوية، أي أنها تكنس ما حولها من مادة، بمعنى أن النجوم كبيرة الكتلة تصبح ثقوباً سوداء عند موتها ويخفت ضوؤها (تخنس) بسبب جاذبية مادتها عالية الكثافة ولا تسمح حتى للضوء الخروج منها وبذلك تخفت وتخنس، وفي الوقت نفسه تبتلع وتمتص وتشفط ما حولها من مواد غازية وترابية وأجرام سماوية لذلك قال بعض الباحثين إنها الخنس والكنس.

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2jw7c433

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"