عادي
(جبر الخواطر)

النبي يبشر الصائمين

23:40 مساء
قراءة 4 دقائق
2

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدم من ذنبه)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشرُ - أي العشر الأخيرة من رمضان- شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله).

(باب الريان)

يقول حنفي المحلاوي في كتاب (أيام الله)، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أجر الصيام والإخلاص فيه فقال: (إن في الجنة باباً يقال له «الريان»، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون؟ فيقومون فإذا دخلوا أغلق)، وفى توضيح معنى هذا الحديث يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، إن رسولنا صلى الله عليه وسلم يوضح في هذا الحديث فضل الصيام وكرامة الصائمين عند الله سبحانه وتعالى، وقد خصهم الله تعالى بدخولهم الجنة من باب مخصوص، جزاء صبرهم على الجوع، وتحملهم الظمأ، وإخلاصهم في صومهم لله تعالى سراً وعلانية، فناسب أن يكون جزاؤهم على صبرهم على الجوع والظمأ أن يدخلوا من باب خاص هو «الريان» وقد ناسب اسم هذا الباب ولفظه معناه، فهو مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين الذين امتنعوا عن الطعام والشراب وصبروا على كل شهوات النفس. كما يتضح من هذا الحديث على وجه الخصوص أن للجنة أبواباً، منها باب الصلاة، وآخر الجهاد، وآخر للصيام، وهو«الريان»، فما أجملها من بشرى وتطييب لخاطر الصائمين.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري ومسلم.

و«لخلوف فم الصائم» يعني رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة، لخلو المعدة من الطعام بالصيام، وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا، لكنها طيبة عند الله، حيث كانت ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته. فما أعظم من ذلك فرحة وجبراً لخواطر الصائمين.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفّعني فيه، قال: فيُشفّعان» رواه أحمد.

وهناك إلى جانب ذلك أحاديث شريفة كثيرة تبين لنا فضل صيام هذا الشهر، وقد لخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث شريف عظيم جاء فيه: لما حضر رمضان، قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: «قد جاءكم شهر مبارك افترض عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرَها فقد حُرِم».

ومن قام رمضان فهو من الصديقين والشهداء: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصلّيت الصلوات الخمس، وأدّيت الزكاة، وصُمت رمضان وقُمته فممن أنا؟ قال: من الصديقين والشهداء. فما أكرم من ذلك تقديراً وتطييباً لخاطر الصائم.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً). هذه البشارة نتيجة لما قبلها وثمرة من ثمراتها، إذ إن قبول الشفاعة من الله تعالى للصيام يعني الرحمة بالعبد وعدم السخط عليه، فيبعده الله تعالى عن دخول النار بفضله تعالى ورحمته، وشفاعة الصيام الذي شأنه شأن بقية العبادات، في أن من أداه بأركانه وشروطه وآدابه، وحافظ على ذلك حتى يلقى الله تعالى على ذلك، فإنه تعالى يبعده عن النار سنين طويلة.

كذلك صيام المؤمنين في حر الصيف التزاماً بأوامر الله سبحانه وتعالى، ففي رمضان يضاعف الله الأجر والثواب، فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يحرصون على الصوم تطوعاً، فيما يعرف بصيام الهواجر أي الصيام في الحر الشديد، ورغبوا في ذلك.

فعلى المسلم الصائم أن يحرص على أسباب المغفرة والرضوان بالحفاظ على الصيام والقيام وأداء الواجبات، وأن يبتعد عن أسباب الطرد والحرمان من المعاصي والآثام في رمضان، وبعده، ليكون من الفائزين. وإن من علامة ذلك أن يستغرق الإنسان أوقات رمضان بالطاعة، تأسياً بنبيّه صلى الله عليه وسلم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/f6hcbbm2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"