بؤرة الجنوب الليبي

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

أعادت الأحداث الجارية في السودان الحديث عن مخططات التوطين في الجنوب الليبي وما يمثله ذلك من مخاطر أمنية واجتماعية لا على ليبيا فقط بل على دول الجوار كافة. فماذا يحدث في الجنوب الليبي الذي شهد منذ 2011 نزاعات دموية قادتها الميليشيات المسلحة وعصابات التهريب العابرة للصحراء؟

  تتفق الآراء على أنّ منطقة الجنوب الليبي تشكل خاصرة رخوة نظراً لخصوصيتها الطبيعية والسكانية، وكذلك لكثرة مواردها التي تُسيل لُعاب القوى الكبرى، ودول الجوار، وكذلك عصابات التهريب. ولأن ليبيا تعيش منذ نحو عشر سنوات حالة تفكّك الدولة والصراع في الشمال فإن الجنوب ظل مهمّاً، وغير خاضع لسلطة الدولة الليبية التي لا تمتلك الإمكانيات الكافية للسيطرة على مجالها الحيوي. ولأن الجميع يطمعون في ليبيا من شمالها إلى جنوبها فإنه يجري الحديث بصورة قوية عن مشروع جديد للتوطين تدفع نحوه إيطاليا، ويتغذى من الأحداث الجارية في السودان.

  منظمة (آرا باتشي الإيطالية) عرضت دفع أموال لقيادات بلدية في الجنوب الليبي لدعم قطاع الزراعة، ولكن يبدو أن الهدف أكبر من ذلك؛ فالمشروع يستهدف توطين المهاجرين في الأراضي الليبية؛ إذ قالت المنظمة عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: إن مشروعها يدعو إلى المساهمة في التماسك الاجتماعي واندماج السكان المحليين ومجتمعات المهاجرين في المنطقة من خلال فتح مكاتب ومناطق مخصصة لتوفير خدمات تعليمية، وتدريب مهني، ومشاريع مُدِرّة للدخل، والممارسات الزراعية المبتكرة، والمبادرات الاجتماعية، والثقافية، والرياضية.

   هذه الخطة دفعت مندوب ليبيا السابق بالأمم المتحدة إبراهيم الدباشي إلى الحديث عن أن مشروع توطين المهاجرين في الجنوب يظهر علناً وبمعرفة السلطات الليبية، وهو مشروع متكامل يقوم على دماج المهاجرين مع السكان المحليين، وتقديم التعليم والتدريب، وإقامة المشاريع. مؤكداً أن الدولة ستقدم أحد المباني بمدينة سبها ليكون مقراً لإدارته من جانب إحدى منظمات مخابرات المستعمر السابق. وقد أكد المتحدث باسم تجمّع الأحزاب الليبية، فتحي الشبلي، جدية المشروع عندما قال: إنّ أي عمل القصد منه المس بالأمن القومي الليبي من خلال زعزعة السلم والأمن الاجتماعي والعمل على التغيير الديموغرافي للجنوب الليبي هو عمل مرفوض وغير مقبول مهما كانت مبرراته أو الأهداف منه.  

   هنا تكمن خطورة القضية؛ فالأوروبيون يريدون إقامة أوطان بديلة للتخلص من أعباء المهاجرين الذين يتوافدون على أراضيهم تباعاً وبأعداد مهولة. وهذا الأمر تحدّث عنه الرئيس التونسي قيس سعيّد عندما تحدث عن مساعٍ للتوطين في تونس وتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس، وعندها ثارت حفيظة الغرب مندداً بتلك التصريحات وتم إلباس تهمة العنصرية بالدولة التونسية. ومثل هذه الأحداث تزيد الموضوع أهمية وجدية في نفس الوقت؛ لأن منطقة الجنوب الليبي -وهي منطقة رخوة أمنياً- تتعرّض بحسب المحللين إلى مخاطر كبرى الآن نتيجة الأحداث السودانية.   

   عضو مجلس النواب الليبي سعد امغيب، يقول: إن استمرار الحرب لعدة أيام أخرى سيؤدي إلى حدوث موجات نزوح كبيرة جداً يستهدف العدد الكبير منها الجنوب الليبي وخاصة مدينة الكفرة بحكم موقعها القريب من الحدود السودانية. أما الكاتب الصحفي عبد الحكيم معتوق فيرى أن إفراغ السودان من كل الرعايا الأجانب يعني أن رقعة الحرب سوف تتسع، وأن العمق العملياتي لها هو مدينة الكفرة ليتم بذلك برنامج التوطين. وذات الرأي نجده عند عضو لجنة الحكماء في “الكوميسا” السفيرة سعاد شلبي، التي اعتبرت أن تطورات الأزمة السودانية تدفع باتجاه إعادة تمركز جماعات إرهابية ومتطرفة، والنزوح العابر للدول، وتهريب البشر، والهجرة غير الشرعية، وتنشيط عمل عصابات الجريمة المنظمة، وهو ما يمثل خطراً حقيقياً على الجهود الدولية الرامية إلى تهدئة الصراعات في القارة الإفريقية التي تعاني اضطرابات عديدة.

  هناك تحديات أمنيّة كبرى تفرض نفسها لا على الليبيين وحدهم بل على دول الجوار المنفتحة على منطقة الساحل والصحراء. وهو ما يفرض على قادة دول المنطقة التحرك جماعياً ضمن خطط واضحة ومضبوطة زمنياً قبل فوات الأوان؛ فليبيا هي بوابة المتوسط نحو العمق الإفريقي ونحو منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي، وأي تهديد للاستقرار في جنوب ليبيا ستكون له نتائج على جميع الدول دون استثناء أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2uvve32h

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"