الانتخابات التركية: استمرار أم تغيير؟

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

أسبوع واحد فقط، يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية والنيابية في تركيا. وينظر الجميع إلى هذه الانتخابات على أنها الأهم والأخطر في تاريخ تركيا الحديث. وهي كذلك، لأن على نتائجها ستترتب الكثير من التحولات، الداخلية والإقليمية، لا سيما في حال فازت المعارضة.

 الانتخابات التي ستجرى مزدوجة، رئاسية ونيابية، وعلى الرغم مما بقي من صلاحيات للبرلمان، فإن معظم الصلاحيات باتت منذ عام 2018 بيد رئيس الجمهورية الذي أسس نظاماً رئاسياً لا يُبقي للبرلمان سوى صلاحيات محدودة. من هنا، فإن الأنظار تتجه إلى انتخابات رئاسة الجمهورية، وليس إلى انتخابات المجلس النيابي.

 وفي حال فوز الرئيس التركي الحالي، رجب طيب أردوغان، بالرئاسة، فهذا يعني استمرار السياسات التركية الحالية، في الداخل وفي الخارج. مع إضافة أنه قد يتشدد أكثر في بعض القضايا التي كان مضطراً لتقديم بعض التنازلات فيها، من أجل أن يضاعف من حظوظ فوزه في الانتخابات، أو على الأقل، من أجل ألا تتراجع كثيراً هذه الحظوظ. لقد كان أردوغان مضطراً مثلاً، لعقد مصالحات مع بعض الدول الخارجية من أجل إمداده بالمال لتحسين وضع الاقتصاد المنهار. وكان مضطراً لأن يعقد صفقات مع دول أخرى لأنه لا بديل له عن هذه الدول.

 والآن، في حال فوزه، فلن يكون مضطراً لكل هذه التنازلات، حتى لو انهار الاقتصاد، لأن هذا الانهيار لن يكون حائلاً دون إعادة انتخابه في 14 مايو/ أيار الجاري، في حال فاز بالرئاسة من جديد. وعلى هذا، يتوقع ان تتواصل السياسة الخارجية التركية مع بعض التشدد. لكن الخطر أن أردوغان سوف يتشدد أكثر في الداخل التركي، وينحو إلى المزيد من استئصال ما يمكن أن يكون قد تبقى من أثر للنزعات العلمانية. كما قد يتشدد أكثر تجاه الأكراد، خصوصاً انهم سيصوّتون ضده في الانتخابات الرئاسية، وكان يمكن أن يكونوا هم الفيصل الحاسم في إسقاطه.

 أما في حال خسارة أردوغان الرئاسة، وفوز مرشح المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، فإن زلزالاً حتمياً سيحدث في تركيا، لا سيما على الصعيد الداخلي.

 فالنظام الرئاسي في تركيا ألغى عملياً، التعددية الحزبية، بحيث أن تشكيل الحكومة بيد رئيس الجمهورية، ولا حاجة لثقة البرلمان، ولا قيود على الموازنة العامة، ويهمّش من دور البرلمان، ويبقي بالتالي كل القوى السياسية الأخرى خارج دائرة المشاركة الفعلية في القرار، ولو من خلال البرلمان.

 لذلك فإن الخطوة الأولى التي ستخطوها المعارضة هي إلغاء النظام الرئاسي، والعودة إلى نظام برلماني قوي. كذلك ستوقف المعارضة عملية إضفاء المزيد من الطابع الديني على الدولة، وتعيد الاعتبار لمبدأ العلمانية، ومنع الاستثمار في الدين، وإخراج الدولة من أن تكون دولة الحزب الواحد، وبالتالي، فإن عمليات «تطهير» واسعة ستكون في الانتظار. ونظراً لأن الأكراد الآن سيؤيدون مرشح المعارضة، فإنه في حال فوزه قد يتخذ خطوات عملية لتخفيف الضغوط عن الحركة الكردية، مثل منع إغلاق أحزابهم ومنع إقالة رؤساء بلدياتهم، وتوسيع مجالات استخدام هويتهم الثقافية، من لغة وتعليم. أما في ما يخصّ المطالب السياسية، مثل منح الحكم الذاتي للمناطق الكردية، فهذا قد لا يكون سهلاً أمام مرشح المعارضة، في حال فوزه، وقد يكون المخرج في توسيع صلاحيات اللامركزية الإدارية. ذلك أن المعارضة لا تقتصر على حزب الشعب الجمهوري العلماني، بل تضم كذلك قوى قومية متشددة، مثل «الحزب الجيد» الذي لا ينظر بكثير من الارتياح إلى منح الأكراد أي صيغة من صيغ الحكم الذاتي.

 ومع أن المعارضة تُتهم بأنها «أطلسية» فإن كيليتشدار أوغلو أعلن أنه سيعزز العلاقات التركية- الروسية لتكون أقوى، وسيسعى لبذل المزيد من الجهد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كذلك سوف يعمل على حل الأزمة السورية من خلال اللقاء مع الرئيس السوري نفسه، وإعادة اللاجئين إلى بلادهم، والانسحاب من سوريا واعتماد العلمنة، لا الأيديولوجيا، في السياسة الخارجية، وهذا يعني عدم تدخل تركيا في الشؤون الداخلية للدول، لا سيما الدول العربية، وهذا لو حدث سيكون تحولاً كبيراً جداً.

 وعلى هذا ستكون الانتخابات الرئاسية في تركيا محط الأنظار، نظراً لتأثيرات نتائجها في مشكلات المنطقة والعالم، كما في الداخل التركي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/42pku6jn

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"