عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

لا تكتمل العروبة إلا بدولها وشعوبها، ولا تكتمل الدول العربية إلا بعروبتها وهويتها ولغتها، وللحاضنة العربية التي تجسدها الجامعة العربية. وفي هذا السياق تم أخيراً، اتخاذ قرار بعودة سوريا إلى الجامعة التي تعتبر من الدول المؤسسة لها، وتاريخها طويل في المساهمة بفكر أبنائها، ومفكريها في الحركات العربية التي تأسست منذ عشرينات القرن الماضي. ونتذكر أن سوريا ومصر شهدتا أول وحدة عربية عام 1958 وكان يمكن أن تشكل نواة لوحدة عربية أشمل وأقوى لولا الاستهدافات الخارجية التي لا مصلحة لها في تحوّل هذه المنطقة العربية إلى كتلة قوية، بما تملكه من قدرات استراتيجية واقتصادية وجيوسياسية، كفيلة بأن تجعل منها قطباً ليس إقليمياً، بل دولياً. وفي عام 1956 خلال العدوان الثلاثي على مصر واستهداف الإذاعة المصرية قامت الإذاعة السورية بدورها معلنة «هنا القاهرة من دمشق». وخاضت حربي 1967 و1973. ولعل هذا أول درس يمكن لنا أن نستحضره من عودة سوريا لحاضنتها العربية. والدرس الثاني يتعلق بالتحولات في بيئة القوة الإقليمية والدولية، فالحرب الأوكرانية -الروسية هي حرب كونية تطال تداعياتها المنطقة، وبوادر الحرب الباردة الأمريكية الصينية، والصراع من أجل إعادة بناء النظام الدولي وتحوله من آحادي القطبية إلى التعددية، وبروز التحالفات الدولية الجديدة وأبرزها تحالف «البريكس»، كلها تحولات تفرض على الدول العربية ان تتحرك بدرجة أكبر من الواقعية والمرونة السياسية باسترجاع كل دولها، وفي مقدمتها سوريا، لما لها من أهمية جيوسياسية، وأرضها ساحة للصراع بكل مستوياته، الدولية والإقليمية.

 لذلك أمام النظام العربي إما خيار امتلاك القوة وسط هذه التحولات، وإما البقاء في حالة من التفكك والانقسام وعرضة للاستهداف والأطماع. والتطلع لتشكيل نظام إقليمي عربي قوي وعلى أسس جديده لا يتحقق إلا بعودة سوريا. وفي هذا السياق فعودة سوريا إلى الجامعة ليست مكافأة للنظام، كما تدّعي الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الأوروبية، بل هي عودة طبيعية يفرضها الأمر الواقع.

 إن عودة سوريا تستحضر الدور الذي قام به حكيم العرب، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي أوصى أبناءه بمصر وكل العرب، عندما عمل على عودة مصر إلى مقعدها في الجامعة العربية، في أعقاب تجميد عضويتها بعد اتفاقات كامب ديفيد وزيارة الرئيس السادات للقدس.

 هذا السيناريو يتكرر اليوم بالدور الذي قامت به الإمارات، ورئيس الدولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بمبادراته تجاه سوريا، وزيارة عدد من المسؤولين الإماراتيين إليها، وزيارة الرئيس بشار الأسد إلى الإمارات مرتين. وهذا التوجه نجده في الدور المبادر الذي قامت به السعودية باعتبارها صاحبة القمة العربية، وفي عاصمتها ستعقد القمة الثانية والثلاثين، ولقاءات وزراء الخارجية، وفي الدور الذي قامت به مصر والاتصالات على مستوى الرئيسين، ولقاءات وزيري الخارجية. وهذا التحرك ليس غاية في حد ذاته، بل يأتي في ظل رؤية عربية شاملة للأزمة السورية وكل تداعياتها، وما ترتب على الأعمال المسلحة التي شهدتها منذ عام 2011، وما رافقها من تدخلات إقليمية ودولية وجماعات إرهابية كانت نتيجتها مئات الآلاف من القتلى المدنيين، وملايين من اللاجئين وتدمير العديد من القرى والمدن والبنى التحتية. 

 هذه العودة تأتي في ظل رؤية ومبادرة عربية تؤسس وتؤصل لسوريا الواحدة الموحدة بنظامها القوي، وأبرزها قضايا الحوار الوطني بين كل القوى، وعودة ملايين اللاجئين وإعمار القرى والمدن والبنى التحتية وتشكيل حكومة وحدة وطنية. 

 ولا شك في  أن هذه المطالب تعتمد على دعم الدول العربية الصادق لتوفير للتغلب على كل التحديات التي تعيق عودة سوريا. ولا شك في أن الاتفاق السعودي الإيراني، والدور الصيني، وتوجهات المصالحة التركية -السورية، تدفع في اتجاه عودة سوريا. ويبقى ان الحوار العربي والمصالح العربية العليا تفوق أية مصالح وأولويات أخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2rbmtjmz

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"