صناعة الحياة

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

ينطلق، اليوم الاثنين 22 مايو/ أيار، معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وبين دفتيه المعرفة الشاملة وبمختلف اللغات. وانطلاقه المتجدد لا يعني ديمومة الاهتمام بالكتاب والكتابة والتأليف والنشر فحسب، هذه قصة باتت عادية وربما روتينية. انطلاق المعرض يؤكد الاستمرار في تطبيق السياسات الثقافية، التي تهدف إلى تحقيق التنمية الإنسانية في أروع معانيها وتجلياتها، ومواصلة استقطاب رجال الفكر والمعرفة والفنون، كونهم يعدون رواداً في صقل العقل البشري وتهذيبه وتهذيبه وتأديبه، ليواكب الحركة المعرفية العالمية، التي لا تنفصل عن الجهود الفكرية في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والصناعة. معرض الكتاب هو إصرار على تطوير صناعة النشر وتعزيزها، لتسهم في الاقتصاد المعرفي والإنساني؛ بهدف الوصول إلى مجتمع المعرفة، وهو غاية المخططين الاستراتيجيين في العالم المعاصر والحديث، فحين يتحقّق مجتمع المعرفة، تتغير أدوات الإنتاج، وتتطور أساليب التجارة، ويتوقف الاعتماد على المصادر التقليدية للدخل، والثروات الطبيعية المادية.

 إن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تتحمل مسؤولية تنظيم معارض الكتاب الدولية وترعاها، مادياً ومعنوياً، إنْ في أبوظبي أو دبي أو الشارقة أو العين أو الفجيرة أو أي إمارة من إمارات الدولة، فإنها تمارس المسؤولية المجتمعية الحقيقية؛ من حيث تنوير وتثقيف وتحديث العقل الإنساني، وإعداده ليواكب القيم الأخلاقية والمدنية والحياتية التي تؤكد مبادئ التعايش المشترك والتسامح واحترام الآخر والتفاعل مع المعتقدات والثقافات الأخرى، بعقلية منفتحة راقية. 

 فالمضي بالترويج لمبادئ التسامح يعني تأهيل الإنسان فكرياً وقيمياً وعاطفياً، ليكون جزءاً من الإيقاع الحضاري للإنسانية ومفاهيمها وتجلياتها؛ بحيث تتولّد قناعة راسخة بالنظرية، تؤدي إلى ترجمة المبدأ إلى واقع ملموس، وهذا يشكل المخرجات المطلوبة والحقيقية.

 القراءة جزء رئيسي من آلية التهيئة والإعداد للعيش في المجتمعات الحديثة، شرط الفهم الجيد لمحتواها، والتعامل مع هذا المحتوى بعين ناقدة، فلا تقبل أو ترفض إلا وفق منهج موضوعي حكيم، فنحن نقرأ لنتعلم ونحصل على المعرفة، وأيضاً نقرأ لمناقشة هذه المعرفة بمعرفة أخرى، للوصول إلى منصة تجتمع فيها الأفكار وتتلاقح، وليس بالضرورة أن تتفق، ففي الاختلاف تظهر قيمة الفكرة والموضوع. القراءة عملية لا علاقة لها بالتسلية، إنها عملية ضرورية في الحياة المعاصرة، في الحياة التي باتت معقّدة، ربما أكثر مما يجب، والقراءة تحل بعض التعقيدات وتبسّطها، وتجعلنا أقرب إلى الفهم المشترك والتفاهم على أسس تحترم المنتج الثقافي والمعرفي للآخر.

 معارض الكتب هي عمل سياسي بامتياز، إذا نظرنا إلى السياسة بصفتها فن إدارة الحياة، وكل قراءة مهما كان محورها، هي قراءة سياسية للذات والآخر والحاضر والمستقبل، تنعكس على الفرد والجماعة، كما تلقي بظلالها على المؤسسة والدولة. 

 فالشعب القارئ والمثقف يفهم أكثر السياسات والقوانين والخطط والبرامج والتوجيهات والمبادرات، وبالتالي يعرف كيف يتعامل مع المؤسسة الرسمية. والأمر ذاته ينطبق على المؤسسة الرسمية القارئة والمثقفة؛ إذ تكون قادرة على التعامل مع شرائح الشعب وأطيافه، وتدرك مزاجه بسهولة ويسر.

 يقولون، لنجعل القراءة عادة يومية، وأنا أقول لنجعل المحتوى يؤثر في عاداتنا اليومية، وينقلنا من مرحلة إلى أخرى؛ بحيث تشكل كل قراءة إنجازاً نوعياً يومياً، وهذا الهدف يخلق الرضا الذاتي، كما أنه يؤسس لإنسان منسجم مع نفسه، وسعيد بمنجزه. لهذا يجد كثيرون أنفسهم في معارض الكتب، يشعرون بأهمية خاصة لذواتهم، تحفّزهم على القراءة أكثر، أو الكتابة أكثر، أو ربما توسيع مدى التأمل الذي يحتاج إليه الإنسان في هذا العصر الذي تسرقه فيه التقنية وجاذبيتها من روحه وأوقاته وخصوصيته، ولا شيء غير الكتاب يتيح الرجوع إلى الذات، رجوعاً واعياً وعلى أسس قوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3br4ejyn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"