الحرب الروسية الأوكرانية

العودة للتاريخ تكشف أن الصراع كان متوقعاً
23:49 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1

عن المؤلف

الصورة
1
سيرهي بلوخي
سيرهي بلوخي أستاذ في التاريخ الأوكراني بجامعة هارفارد ومدير معهد الأبحاث الأوكراني بالجامعة. مؤلف العديد من الكتب المهمة. يقيم في بيرلينغتون (ماساتشوستس).

شكّلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022 صدمة عالمية. لماذا بدأ بوتين الحرب؟ ولماذا شنّها بطريقة لم يكن من الممكن تصورها من قبل؟ لقد قاوم الأوكرانيون جيشاً متفوقاً على المستوى العالمي؛ وتوحد الغرب، لكن زادت عزلة روسيا. يوثّق كتاب «الحرب الروسية الأوكرانية» لأكبر صراع عسكري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

يقدم المؤرخ البارز سيرهي بلوخي وصفاً لهذا الصراع، وأصوله، ومساره، والعواقب الواضحة والمحتملة في المستقبل. في رأيه، بدأت الحرب الراهنة قبل تسع سنوات من الهجوم الشامل في 27 فبراير 2014، عندما استولت القوات المسلحة الروسية على شبه جزيرة القرم القرم، إلا أن جذور هذا الصراع تعود حتى إلى قبل ذلك... إلى توترات ما بعد الاتحاد السوفييتي والانهيار الإمبراطوري في القرنين التاسع عشر والعشرين. يكشف المؤلف أن هذه الحرب كانت متوقعة، وذلك من خلال تقديمه سياقاً تاريخياً واسعاً، ومعاينته أفكاراً من أوكرانيا وروسيا، فضلاً عن السياسات المحلية والدولية.

1

 يعود المؤلف في الصفحات الأولى إلى حرب إيفان الرهيب مع جمهورية نوفغورود في عام 1471، وصعود وسقوط دولة هتمانات القوزاق في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وظهور المشروع الوطني الأوكراني الحديث في أربعينات القرن التاسع عشر، ثم الجمهورية الأوكرانية الشعبية في 1917، وفترة الحقبة السوفييتية بأكملها، وجزء كبير من التسعينات.

 يتطرق الكتاب إلى العديد من اللحظات التاريخية المعقدة بطريقة يمكن للقارئ العام الوصول إليها، مع حفاظه على الخيط السردي الواضح حول مركزية أوكرانيا بالنسبة للخيال الإمبراطوري الروسي.

أهمية أوكرانيا لروسيا

يرى المؤلف أن أوكرانيا ظلت مركزية بالنسبة لفكرة روسيا عن نفسها حتى عندما اتبع الأوكرانيون مساراً مختلفاً جذرياً. وأصبحت أوكرانيا الآن- أكثر من أي وقت مضى- من أكثر خطوط الصدع تقلباً في أوروبا الديمقراطية، لا سيما في بيئة دولية جديدة يحددها انتشار الأسلحة النووية، وتفكك النظام الدولي بعد الحرب الباردة، وعودة القومية الشعبوية.

 يقول المؤلف في مقدمته: «في أذهان الكثيرين منا، وصل التاريخ إلى نهايته مع سقوط جدار برلين، وكان بالنسبة لفرانسيس فوكوياما الانتصار النهائي للديمقراطية الليبرالية كشكل من أشكال النظام السياسي. لكن الغزوات غير المبررة التي أعقبتها عمليات الضم الإقليمية والعمليات العسكرية واسعة النطاق قد انحدرت بنا إلى الماضي. كانت هناك مؤشرات واضحة خلال الحروب في الشيشان ويوغوسلافيا السابقة ثم أفغانستان والعراق، لكننا فضلنا تجاهلها. شكّل صعود الشعبوية، فضلاً عن الميول الاستبدادية في الدول الديمقراطية، أوجه تشابه مع الثلاثينات، لكن معظمنا تجاهلها. عاد التاريخ الآن بالانتقام، وكشف عن أسوأ ملامحه، وافتتح أكثر صفحاته رعباً لكثرة ما تتضمّنه من مشاهد العنف والدمار. نعلم ما حدث نتيجة صعود الديكتاتوريات في أوروبا عشية الحرب العالمية الثانية، ويمكننا الآن بسهولة أن نتخيل إلى أين يمكن أن يؤدي صعود الاستبداد في أوروبا وأوراسيا وأماكن أخرى اليوم. حان الوقت للتعلم من التاريخ من خلال وضع الأحداث الجارية في سياقها التاريخي والجيوسياسي لفهم جذورها والتنبؤ بنتائجها ومحاولة إنهاء العنف».

1

 يتخذ المؤلف في هذا الكتاب مقاربة طويلة الأمد لفهم الحرب الحالية، رافضاً تحديد تاريخ 24 فبراير 2022 على أنه انطلاقة الحرب، قائلاً: «بغض النظر عن صدمة ودراما الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا، يمكنني القول ببساطة أن الحرب بدأت قبل تسع سنوات، في 27 فبراير، 2014، عندما استولت القوات المسلحة الروسية على مبنى برلمان القرم. أنهت مجموعتان من الاتفاقات، تسمى «مينسك 1» و«مينسك 2»، تلك المرحلة من الحرب من الناحية الدبلوماسية بعد عام في فبراير 2015. ومع ذلك، استمرت الحرب غير المعلنة التي شملت القصف وإطلاق النار عبر خط التماس في منطقة دونباس الأوكرانية. أسفرت سبعة أعوام عن مقتل أكثر من 14000 أوكراني، لكن لم يجذب الأمر سوى القليل من الاهتمام الدولي. انتهت تلك المرحلة بانسحاب روسيا الرسمي من اتفاقيات مينسك وبدء هجومها الشامل على أوكرانيا في فبراير 2022.

 يناقش المؤلف في الكتاب إشكاليات الحرب الحالية، أصولها، مسارها، وعواقبها المستقبلية الظاهرة والمحتملة. كما يبحث عن جذور الحرب في تاريخ الانهيار الإمبراطوري في القرنين التاسع عشر والعشرين، والذي أنتج أيضاً الأفكار الرئيسية التي غذت الصراع القائم. تدور حجته الأساسية في الكتاب حول أن «ما نراه اليوم ليس ظاهرة جديدة تماماً. من نواحٍ عديدة، فإن الصراع الحالي هو حرب إمبريالية قديمة الطراز تديرها النخب الروسية الذين يعتبرون أنفسهم ورثة للتقاليد التوسعية للقوى العظمى للإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفييتي. من جانب أوكرانيا، هي أولاً وقبل كل شيء حرب استقلال، وهي محاولة يائسة نيابة عن دولة جديدة خرجت من أنقاض الانهيار السوفييتي للدفاع عن حقها في الوجود». يقول أيضاً: «تشير الحرب بوضوح إلى أن أوروبا والعالم قد أنفقا عائد السلام الناتج عن انهيار جدار برلين في عام 1989 ويدخلان حقبة جديدة، لم يتم تحديدها بعد. يتم تشكيل نظام عالمي جديد في لهيب الحرب الحالية، ربما يكون نسخة مكررة للعالم الثنائي القطب في حقبة الحرب الباردة. حتى الآن لم تنته هذه الحرب، ولا نعرف بعد ماذا ستحقق نهايتها، لكن من الواضح تماماً حتى اليوم أن مستقبل العالم الذي سنعيش فيه نحن وأطفالنا وأحفادنا يعتمد إلى حد كبير على نتائجها».

 المآسي الإنسانية خلال الحرب

بعد مرور أكثر من عام على الهجوم الروسي الشامل لأوكرانيا، لا تزال المعلومات المضللة والمفاهيم الخاطئة للصراع- التي يغذيها الكرملين والجهات الفاعلة السياسية في الخارج- تتغلغل في النقاش العام. يستهدف الكتاب العديد من هذه القضايا، موضحاً كيف أدى هوس روسيا الإمبراطوري بأوكرانيا على مدى قرون إلى خلق الظروف لأكبر حرب برية في أوروبا منذ عام 1945.

 في الفصل الأول، يوضح المؤلف وجهة نظره قائلاً إن «أسطورة الأصول الكيفية لروسيا قد رسخت نفسها بالفعل في وعي النخب الروسية بحلول أواخر القرن الخامس عشر». وقد كتب أيضاً أن مركزية أوكرانيا بالنسبة لفكرة روسيا عن نفسها، أسهمت في انهيار الاتحاد السوفييتي قائلاً: «لا يمكن المبالغة في دور أوكرانيا في إحداث الانهيار السوفييتي. لم تكن أوكرانيا مجرد لاعب سياسي أساسي يدفع باتجاه الانهيار الإمبراطوري لتفكيك الاتحاد السوفييتي، لكنها ساعدت أيضاً على ضمان التفكك السلمي». وسط التحليل، يذكرنا المؤلف كقراء بأن «الحرب الروسية الأوكرانية» هي انعكاس عام ومؤلم للصراع البشري المدمر الذي يوضح حجم المآسي الإنسانية في أي حرب، ومما يقوله: «يعتقد معظم الروس اليوم، كما اعتقدوا لقرون، بأن دولتهم وأمتهم نشأت في كييف، مركز نظام حكم القرون الوسطى الذي يسميه المؤرخون «كييف روس» أو «روس الكييفية». تمركزت في العاصمة الأوكرانية اليوم، وتضم جزءاً كبيراً مما يُعرف الآن بأوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا الأوروبية. سقطت «كييف روس» التي تشكلت في القرن العاشر، تحت ضربات المغول في القرن الثالث عشر، لكن ليس قبل ولادة العديد من الأنظمة شبه المستقلة؛ كانت غاليسيا-فولينيا في أوكرانيا الحالية وجنوب بيلاروسيا من أقوى هذه المجموعات؛ نوفغورود العظمى أو جمهورية نوفغورود في الأراضي الشمالية الغربية من مملكة كييف السابقة؛ وإمارة فلاديمير- فيما بعد موسكو في الجزء الشمالي الشرقي- المركز التاريخي لروسيا الحديثة». يضيف المؤلف: «يمكن للروس تعقب أصول دينهم، ولغتهم المكتوبة، وآدابهم، وفنونهم، وقانونهم، إلى كييف، وهي مهمة للغاية في عصر ما قبل الحداثة لسلالتهم الحاكمة. وتبين أن محاولاتهم للمطالبة بأن كييف هي مصدر عرقهم ولغتهم وثقافتهم الشعبية كانت أكثر إشكالية. اكتشف المسافرون من موسكو وسانت بطرسبرغ أن السكان المحليين في كييف وضواحيها يتحدثون لغة مختلفة عن لغتهم، ويغنون أغانٍ مختلفة، ولديهم ثقافة مميزة. لكن هذا لم تكن له أهمية كبيرة، لأن أسطورة الأصول الكييفية الروسية قد رسخت نفسها فعلياً في وعي النخب الروسية بحلول أواخر القرن الخامس عشر».

الصورة
1

 الانفجار النووي

 يغطي الفصلان الثاني والثالث الاختلاف السياسي بين روسيا وأوكرانيا و«أزمة القرم» في عام 1994. يقول المؤلف: «شكلت الديمقراطية الأوكرانية تهديداً كبيراً للنظام السياسي الروسي، لأنها شجعت المعارضة الليبرالية الروسية على التحرك»، ويضيف المؤلف في الفصل الثالث بعنوان «الانفجار النووي»: «بعد بضعة أشهر من رئاسة كلينتون، نشر العالم السياسي الشهير وخبير العلاقات الدولية جون ميرشايمر مقالاً في مجلة «فورين أفيرز» يناقش فيه ضرورة تشجيع أوكرانيا على الاحتفاظ بأسلحتها النووية، وليس الضغط عليها للتخلي عنها. من وجهة نظر ميرشايمر، كانت هذه هي الطريقة الأكثر فاعلية لمنع الحرب الروسية الأوكرانية، والتي وصفها بأنها «كارثة» يمكن أن تؤدي إلى إعادة احتلال أوكرانيا و«الإضرار باحتمالات السلام في جميع أنحاء أوروبا»». ويقول أيضاً: «الأسلحة النووية الأوكرانية هي الرادع الوحيد الموثوق به للعدوان الروسي. إذا كان هدف الولايات المتحدة هو تعزيز الاستقرار في أوروبا، فإن القضية ضد أوكرانيا المسلحة نووياً غير مقنعة».

 ويضيف: «لم يكن كلينتون ومستشاروه مستعدين لأخذ نصيحة ميرشايمر، لكنهم أصبحوا أكثر مراعاة للمخاوف الأوكرانية. اعترفت واشنطن بامتلاك أوكرانيا للأسلحة النووية الموجودة على أراضيها ووافقت على مناقشة التعويض المالي عن إزالتها. عندما يتعلق الأمر بالمخاوف الأمنية، كانت الإدارة مستعدة للنظر في إمكانية تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا. والأهم من ذلك، أنها أدركت أخيراً أن القلق الأمني الرئيسي لأوكرانيا هو روسيا، فقد حلت واشنطن محل موسكو باعتبارها المفاوض الأول في المحادثات الثلاثية بشأن نزع السلاح النووي لأوكرانيا. النهج الجديد نجح. 

 وقبل نهاية عام 1993، توصلت واشنطن وكييف إلى اتفاق مبدئي بشأن شروط نزع السلاح النووي الأوكراني. وبموجب الاتفاق الجديد، وافقت الولايات المتحدة على تقديم تعويض عن الأسلحة الأوكرانية بمبلغ مليار دولار. تعهدت الولايات المتحدة وروسيا بشكل مشترك بتزويد المحطات النووية الأوكرانية بالوقود المنتج من الرؤوس الحربية الأوكرانية التي تمت إزالتها. كما اتفقا على تقديم تأكيدات بشأن سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا. أصبحت هذه أسس المعاهدة الأمريكية الروسية الأوكرانية بشأن نزع السلاح النووي لأوكرانيا، تم التوقيع عليها في يناير/كانون الثاني 1994. في فبراير/شباط 1994، صادق البرلمان الأوكراني على بروتوكول لشبونة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام صوت لصالح انضمام أوكرانيا إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كدولة غير نووية».

 ويشير المؤلف إلى أنه «في ديسمبر 1994، وقع كلينتون وليونيد كوتشما، مذكرة بودابست بشأن الضمانات الأمنية التي ستقدمها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا المتحدة إلى أوكرانيا. أضافت الصين وفرنسا لاحقاً توقيعاتهما على الوثيقة. ووقع زعماء بيلاروسيا وكازاخستان على وثائق مماثلة لإخلائهما من الأسلحة النووية. تعهد الضامنون (باحترام استقلال أوكرانيا وسيادتها وحدودها الحالية) و(الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد وحدة أراضي أوكرانيا أو استقلالها السياسي، ولن يتم استخدام أي من أسلحتهم ضد أوكرانيا). كانت المشكلة هي عدم وجود التزامات بحماية أوكرانيا في حالة عدم الوفاء بالوعود وتعرض أوكرانيا للهجوم. وفي حال حدوث هجوم نووي على أوكرانيا، فقد وعد الضامنون (بالسعي إلى اتخاذ إجراء فوري من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتقديم المساعدة لأوكرانيا). كما وعدوا بإجراء مشاورات (في حالة نشوء موقف يثير تساؤلاً بشأن هذه الالتزامات)».

 في الفصلين الرابع والخامس، يأخذنا المؤلف خلال الثورة البرتقالية لعام 2004 وثورة الكرامة 2013/2014، ويوضح مرة أخرى كيف هددت هذه الأحداث النظام الروسي، وكيف مهدت هذه الأحداث الطريق لضم شبه جزيرة القرم وثماني سنوات من الحرب الهجينة في دونباس. ويتناول الفصلان السادس والسابع كيف أن ضم القرم «جعل الإمبريالية والقومية عناصر أساسية وقوى دافعة لسياسة روسيا».

 تغطي الفصول من التاسع إلى الحادي عشر التطورات العسكرية منذ 24 فبراير 2022، ويرى المؤلف أن استراتيجية روسيا كانت تهدف إلى «كسر إرادة الأوكرانيين في المقاومة». ويتناول المؤلف في الفصلين الثاني عشر والثالث عشر التداعيات الدولية للحرب، مثل القوة المتجددة ل «الغرب» ككتلة جيوسياسية، وصعود الصين بينما تصنع روسيا «محورها نحو آسيا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/nhhzhzaj

كتب مشابهة

1
جوشوا فيراسامي
1
بول هانزبري
1
أنجيلا بورن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ريتشارد يونغس
خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز
1
كجيل أوستبيرج
تغير المناخ يزيد من الهجرات في العالم
درو بيندرجراس وتروي فيتيس
1
زاندر دنلاب