تونس ضحية الهجرة

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

ليس خافياً ما تواجهه تونس من صعوبات اقتصادية واجتماعية، ألقت بظلالها على الأوضاع السياسية الهشة، بما أذكى المخاوف من تداعيات هذه الأزمة الطويلة. وما يفاقم التوتر في هذه المرحلة أن تصبح المشكلة الأوروبية مع الهجرة عبئاً إضافياً على تونس، يجعلها ضحية للضغوط والمساومات، وهو ما ترفضه أغلبية الأطراف التونسية، وتعده تدخلاً في الشؤون الداخلية، وانتقاصاً من السيادة الوطنية.

 مع تنامي موجات الهجرة غير النظامية واتساع نطاقها، أصبحت تونس وجهة لكبار المسؤولين الأوروبيين، ففي أقل من أسبوعين زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، تونس مرتين، إحداهما مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس وزراء هولندا مارك روته، ثم جاء وزيرا الداخلية الفرنسي والألماني جيرالد دارمانان ونانسي فيسر، واجتمعوا بالرئيس قيس سعيّد، الذي يتلقى اتصالات هاتفية مكثفة من المسؤولين الأوروبيين، كلها تتعلق ببحث تقديم مساعدات مشروطة، بأن تضبط تونس حدودها، وتمنع موجات الهجرة، وتقبل بأن تكون ملاذاً لمن يتم ترحيلهم من الأراضي الأوروبية، وخصوصاً إيطاليا التي تتبع سياسة مشددة في هذا الملف. مقابل كل هذه الضغوط والإغراءات المشبوهة، ليس على لسان الرئيس التونسي إلا جملة واحدة؛ مفادها أن بلاده لن تكون حارساً لحدود أوروبا، ويبدو أن تكرار هذا الموقف، يؤكد أن هناك ضغوطاً شديدة تمارسها الدول الأوروبية على تونس، لتفتح أراضيها لاستقبال المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، أو من يتم ترحيلهم من أوروبا. ولتشديد الخناق، أوهم بعض المسؤولين الأوروبيين أن بوسعهم «التدخل» لدى صندوق النقد الدولي، لتسريع القرض المقدر ب1.9 مليار دولار والذي تتفاوض عليه تونس منذ أشهر طويلة، ولم تتم الموافقة عليه إلا بشروط لم تجد قبولاً حتى الآن.

 الدبلوماسية والتحركات السياسية، خصوصاً لدى الدول الكبرى، تجارة وصفقات وابتزاز. ووفق هذا المنطق فإن من حق السلطات التونسية أن تجعل من ملف الهجرة، الذي يزعج الأوروبيين، ورقة تفاوض مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد من أجل التوصل إلى تفاهمات فعلية حول قضايا تتجاوز ملف المهاجرين. وتفرض البراغماتية الوطنية ألا يتم حل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تونس بقبول الهبات والمساعدات؛ بل يجب أن تكون الحلول عبر اتفاقيات، يمكن أن تدوم وتصمد في وجه كل التقلبات المحتملة.

 ملف الهجرة، ليس قضية تونسية أو أوروبية، وإنما هو نتاج أزمات ومشاكل تعانيها أمم وشعوب في القارة الإفريقية على الخصوص. والمهاجرون هم ضحايا سواء كانوا أحياء أو موتى بين أمواج البحر أو لدى شبكات التهريب المجرمة. وحل هذه المعضلة لا يمكن أن يكون أحادياً عن طريق إملاء القوي على الضعيف؛ بل يفترض حدوث مقاربة جماعية تتطلب شجاعة في الاعتراف بالأسباب التي تدفع مئات الآلاف إلى ترك مواطنهم، وهذه الأسباب تتحمل الدول الأوروبية، الاستعمارية سابقاً، جانباً كبيراً منها، أخلاقياً وسياسياً، لأنها مسؤولة عن استنزاف الثروات الإفريقية، وتدمير مستقبل شعوبها. وموجات الهجرة التي تزعج الأوروبيين اليوم هي نتاج ما فعل أسلافهم سابقاً. وإنهاء المشكلة ممكن عبر التعاون والتضامن بين الشمال والجنوب، وإلا فإنها ستكبر مع الأيام وتأخذ أبعاداً أخطر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kvrrn5s

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"