تهدئة أمريكية صينية

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

ربما يكون وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد نجح في تبريد الأجواء أو خفض التوتر أو حتى التوصل إلى تهدئة مع بكين، على غرار ما يحدث عندنا في الشرق الأوسط، لكنه بالتأكيد لم ينجح في إيجاد حلول جذرية للمشكلات الضخمة والمتشعبة في العلاقات الصينية الأمريكية، وانعكاساتها في مختلف أرجاء العالم.

من المنظور الصيني، كانت العلاقات بين واشنطن وبكين قد وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1979، بينما أقر بلينكن أن المشكلات بينهما لا يمكن حلها بين عشية وضحاها، وبالتالي فإن زيارة بلينكن إلى بكين، مؤخراً، جاءت من منطلق الاختيار بين الحوار أو المواجهة، ومنع تحويل التنافس بين الجانبين إلى نزاع، لأن اتجاه التصعيد بين أكبر قوتين اقتصاديتين وعسكريتين في العالم، سيؤدي حتماً إلى الصدام الذي ستكون له تداعيات خطرة ليس على الولايات المتحدة والصين وحدهما، وإنما على العالم بأسره.

كانت زيارة بلينكن إلى بكين وهي الأولى لمسؤول أمريكي بهذا المستوى منذ نحو خمس سنوات، قد تأجلت منذ فبراير/ شباط الماضي على خلفية إسقاط الولايات المتحدة منطاداً صينياً في الأجواء الأمريكية بذريعة التجسس. لكن مستشار الأمن القومي الأمريكي قام بزيارة بكين في مايو/ أيار الماضي، لبحث عدد من القضايا المُلحة من بينها قضايا التجسس، والاشتباه بوجود قواعد صينية للتنصت في كوبا، علاوة على الأزمة الأوكرانية، والاشتباه في تزويد روسيا بأسلحة صينية، إلى جانب قضية تايوان وما يتصل بالاحتكاكات الحساسة في بحر الصيني الجنوبي وكوريا الشمالية وغيرها. غير أن هذه الزيارة لم تحقق النتائج المرجوة بالنسبة للولايات المتحدة، على ما يبدو؛ بل إن الأمور تسارعت نحو المزيد من التدهور، خصوصاً على صعيد الحرب التجارية القائمة بين الجانبين، ما حمل الإدارة الأمريكية على إيفاد بلينكن، سعياً للتهدئة، ومحاولة احتواء الصين. لكن بلينكن، في الواقع، لم ينجح في تبديد مخاوف الجانبين، وبقيت معظم المشكلات على حالها، فما قدمه بلينكن في قضية تايوان، على سبيل المثال، وهي قضية القضايا بالنسبة لبكين التي تعد الجزيرة جزءاً لا يتجزأ من ترابها الوطني، لا يتعدى تطمينات تكررت كثيراً، مثل تأكيد مبدأ «صين واحدة»، ومعارضة «استقلال» تايوان، بينما تقوم واشنطن بإمدادها بأحدث الأسلحة، وتعمل على تغطية كل تحركاتها الدبلوماسية الانفصالية، وتحشد الحلفاء وتحاصر الصين وبحرها الجنوبي بالأحلاف الأمنية والعسكرية. وهي تطمينات لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة للصين، في حين تزداد الحرب التجارية ضراوة، خصوصاً ما يتعلق بالرقائق الإلكترونية؛ حيث تتهم بكين واشنطن بعرقلة نمو اقتصادها، وترد بمنع توريد مواد ضرورية لصناعات الولايات المتحدة. ولم تنفع محاولات تغيير الموقف الصيني من الأزمة الأوكرانية أو إضعاف العلاقة الصينية الروسية، كما ترفض الصين معاودة فتح خطوط الاتصال العسكرية، وتحاول سد الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وإفريقيا وبعض أنحاء أمريكا الجنوبية، أي أن جوهر الخلافات الكبرى بقي على حاله، بسبب علاقاتها الوثيقة بالنظام العالم الجديد الذي يسعى كل طرف للهيمنة عليه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc83uc25

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"