الذكاء الاصطناعي والعملية التعليمية

00:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

قد تكون تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي أحدث إنجازات ثورة التكنولوجيا والاتصال في العالم، وتُستخدم من قبل المؤسسات والأفراد ولكن بحذر وتروٍ، ويعتقد كثيرون أنه مهما بلغت حدة هذا الذكاء، فإنه سيبقى في حاجة لعقل الإنسان، الذي لا ولن يضاهيه ذكاء، لسبب بسيط، هو أن الذكاء الإنساني هو الذي اخترع الذكاء الاصطناعي، ولن يتفوّق الأخير عليه رغم تفاؤل المبرمجين وأصحاب شركات التقنيات العملاقة، وتفاؤلهم يقع في جانب تسهيل تقديم الخدمات، مثلما يحدث الآن مع تطبيق أو برنامج «تشات جي بي تي»، القادر على الاستجابة والإجابة عن مختلف أنواع الأسئلة، مع تباين في مستوى وعمق هذه الإجابات. ورغم ذلك، يستخدمه بعض الباحثين وطلبة الثانوية العامة والدراسات العليا. والمؤسسات الجامعية ما بين رافض لاستخدام الطلبة، وقابل ضمن شروط، وبين دارس ومقوّم لسلبياته وإيجابياته على التحصيل العلمي والبحثي، وعلى عمق التحليل الثقافي والأدبي والسياسي.

 وقعت على مقالات عديدة حول الذكاء الاصطناعي في منصة «سويس إنفو» (Swissinfo.ch) وهي خدمة إعلامية إلكترونية لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، التي توفّر محتوى بعشر لغات للمهتمين في سويسرا، من بينها اللغة العربية. وقرأت مقالاً للباحث يورغن شميدهوبر، الذي يشرح تطبيق تشات جي بي تي بأنه يستخدم شبكة عصبونية اصطناعية تسمى «المحوِّل»، تقوم بتوليد ردود متماسكة ومناسبة لما يدخله المستخدم. وتعتمد هذه الشبكة على آليات الاهتمام البشري، والهدف منها تقليد الانتباه الإدراكي، من أجل توليد الردود بلغة تحاكي اللغة البشرية.

 ويتساءل الباحث: ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ ويقول: لقد قمت بمقارنة «تشات جي بي تي» والنماذج اللغوية الكبيرة المماثلة برجال السياسة، ومن المعروف أن السياسيين يجيدون التحدث، كما أن لديهم القدرة على إعادة صياغة شعارات استخدموها سابقاً، وتسويقها دوماً بطرق جديدة. ولكن، وبالرغم من حرصهم على هذا الأمر، فقد يحدث لهم في كثير من الأحيان التفوّه بعبارات تفتقر إلى الكثير من البصيرة أو الأبعاد المستحدثة التي تظهر العمق في التفكير، وهكذا هو الحال مع نماذج اللغة الكبيرة على غرار «تشات جي بي تي»، فهي لا تزال قاصرة عن التفكير حول العديد من الجوانب المنطقية، ولم تصل بعد إلى اتباع نهج العلماء الرياضيين والعلماء الآخرين.

 ويقصد الباحث أن البرنامج لديه معلومات يستقيها من منصات البحث العالمية المتوفّرة، لكنه يفتقد للمنهج العلمي والاستنتاجات الدقيقة، وبلغة أخرى، يستطيع «تشات جي بي تي» توفير المعلومات وصياغتها بحيث يوهمك بأن الموضوع متماسك ولا يحتاج إلى تدقيق. وقد وقع طلاب جامعيون في فخ هذا النمط من البحوث والمقالات، ما جعل الإدارات الجامعية تنقسم على ذاتها في السماح أو عدم السماح أو اعتماد «جي بي تي» مثلما اعتمدت الآلة الحاسبة في الفصول الدراسية. وقد أجاب عن هذه الإشكالية موضوع آخر من إعداد «سويس إنفو»، عبر استطلاع مع عدد من الطلاب الجامعيين، واستنتج أن البرنامج قد يؤدي إلى الإضرار بمهارات الكتابة لدى الطلاب. بينما يقول طالب استخدم التطبيق: «لقد اجتزت اختباري التمهيدي في اللغة الإنجليزية باستخدام برنامج تشات جي بي تي بدون أية أخطاء». وفي السياق منعت مدينة نيويورك استخدام البرنامج في المدارس. أما في كانتونات غرب سويسرا الناطقة بالفرنسية، فلا توجد حالياً نية لمنعه.

 ويبقى السؤال: بما أننا بدأنا في استخدام الذكاء الاصطناعي في المؤسسات العامة والخاصة.. إلى أي مدى يمكن السماح باستخدامه في العملية التعليمية، والتساهل مع طلابنا باستخدام برنامج (جي بي تي) على سبيل المثال، في إنجاز البحوث الجامعية أو في مدارس الثانوية العامة، وهل سيكون مصير برنامج (جي بي تي) على غرار الآلة الحاسبة المتطورة، مُعتمدة مدرسياً ودراسياً! وقد استعرضت المقالات المنشورة في منصات خارجية لتكون أرضية للحوار، فالطالب هو الطالب، ونسبة من الطلاب يميلون إلى الكسل، ما يؤثر على مهاراتهم في الكتابة والبحث وتحصيل المعرفة. أما المقالات الأخرى الخاصة بجعل الذكاء الاصطناعي يتخذ قرارات بدلاً منا، فهو مبحث آخر، صعب، وخطير في آن. لكننا في كل الأحوال لن نتمكن من تجاهل هذه التطبيقات، التي هي جزء من الفتوحات العلمية العالمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/45bjf7m8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"