عادي

زوبعة «فاغنر».. ومازالت الحرب مستمرة

23:46 مساء
قراءة 4 دقائق
مقاتلو 'فاغنر' ينتشرون في شارع بالقرب من مقر المنطقة العسكرية الجنوبية في مدينة روستوف (رويترز)

كتب -المحرر السياسي:

الحرب في أوكرانيا بعد زوبعة «فاغنر»، التي قسمت العالم من حيث رؤيته لها، إلى قسمين، بين مراهن على هزيمة سريعة لروسيا، وممسك قلبه بيده خوفاً من تلاشي دولة عظمى يرى فيها نداً لإمبراطورية القطب الواحد وسياسة الهيمنة والإملاءات.

ذلك الانقسام لم يمنع سيل التكهنات حول أسباب التمرد، وهل هو تمرد فعلاً، أم مجرد مسرحية أخرجتها أجهزة المخابرات بحنكة ودقة عالية، وهنا نورد ما قاله الجنرال البريطاني اللورد ريتشارد دانات، رئيس أركان الجيش البريطاني السابق، حيث قال يتعين على قادة أوكرانيا الاحتراس من هجوم محتمل بقيادة، يفغيني بريغوجين، على كييف من بيلاروسيا.

وأعرب دانات في مقابلة مع شبكة سكاي نيوز، عن قلقه من فكرة ذهاب قائد فاغنر مع عناصره إلى بيلاروسيا، قائلاً: «إذا احتفظ بقوة قتالية فعالة، فإنه يمثل تهديداً مرة أخرى للخاصرة الأوكرانية الأقرب إلى كييف».

ويبدو العالم قريباً من الإجماع على أن أياً من طرفي الخلاف في روسيا لم يكن فائزاً، بل إن الزوبعة تحمل في طياتها بوادر قلق على استقرار الوضع الأمني الداخلي في روسيا، خاصة أنها أول مرة تتعرض فيها قيادة الرئيس، فلاديمير بوتين، لمثل هذا الاختبار.

رهانات غربية

وقد أكدت الصور المجمعة حول ما كان يجري في دوائر صنع القرار الغربية، بمن فيهم الزعماء ومسؤولو الأمن القومي، أن الجهود التي يبذلها البيت الأبيض وحلفاؤه الأجانب لمعرفة ما كان يحدث بالضبط على الطبيعة المتقلبة للحرب التي يمكن أن تعيد كتابة خريطة أوروبا والتاريخ الحديث، لكن في النهاية، تم تجنب حرب أهلية روسية بدت على وشك الاندلاع.

وصورت تلك الدوائر تحدي بريغوجين للرئيس بوتين الذي اتهمه بالخيانة، لكنه وافق بعد ذلك على صفقة للسماح له على ما يبدو للفرار إلى بيلاروسيا - ربما أحدث ثغرات في سلطة الرئيس الروسي على الأجنحة العسكرية والأمنية الروسية، ولو مؤقتاً على أقل تقدير، ويجب على بقية العالم الآن التعامل مع التداعيات.

وفي إطار التفكير الرغائبي ركزت وسائل الإعلام الغربية على الانقسامات التي تصورتها في موسكو، فضلاً عما حدث بين الحكومة ومجموعة فاغنر - القوة القتالية الروسية المتميزة التي أحرزت الكثير من النجاحات الأخيرة في ساحة المعركة - قد تستحضر الآن أيضاً فرصة لأوكرانيا، التي تستميت لتحقيق اختراقات ضد قوات روسيا في هجومها المضاد الجديد.

ومثل هذه الأخبار هي ما يبحث عنه الغرب لتبرير تدفق السلاح والدعم المالي إلى كييف على أمل تحقيق نجاح يحفظ ماء الوجه.

وليس هناك شك في أن قادة الناتو يرغبون في رؤية بوتين يرحل، لأنه لا يوجد ما يشير إلى أنه سينهي الحرب بسحب قواته من أوكرانيا.

ولبعض الوقت، بدا أن بوتين، وقادة الجيش الروسي وفاغنر، قد ينتهي بهم الأمر في حرب أهلية للسيطرة على دولة لديها ترسانة نووية ضخمة. وعندها سيؤدي عدم الاستقرار والصراع الداخلي في روسيا إلى إرسال موجات الصدمة الجيوسياسية في جميع أنحاء العالم.

وقد التقى الرئيس جو بايدن، الذي صرح علناً بعد انتهاء موجة الرعب، بأن بلاده لا صلة لها بمجموعة فاغنر، فيما يتعلق بالتمرد، وأنها لم تساهم فيه، بخبراء وباحثين في الذكاء الاصطناعي في فندق فيرمونت في سان فرانسيسكو (كاليفورنيا).

لكن في الوقت نفسه عكس تركيز القادة الغربيين في تصريحاتهم أن هذه مسألة داخلية روسية، رغبة في حرمان بوتين من ذريعة لتجديد أقواله بأنه ضحية مؤامرة غربية للإطاحة به، وكبح طموحات روسيا كقوة كبرى وتقليص نفوذها الجيوسياسي.

وقد شدد بايدن في المحادثات الهاتفية التي أجراها مع قادة كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، على الحاجة إلى الحفاظ على الهدوء، والصمت، والسماح لكل ما يحدث في روسيا بالظهور، بما يتماشى مع طموحات التحالف الغربي في الخلاص من «العدو» بلا قتال.

ضياع وضبابية

وفي غياب الإجابات عن كثير من الأسئلة التي تطرحها العملية برمتها، يحتاج الغرب إلى زعيم براغماتي يدرك الخطأ الكارثي الذي حدث في هذا المشروع الأوكراني بأكمله، ويدرك أنهم بحاجة لتبنّي نهج أكثر عقلانية تجاه أوروبا والغرب، على حد تعبير ديفيد بترايوس المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

ويجد الغرب نفسه في حالة ضياع وسط ضبابية الصورة حول مآلات الصراع الذي يغذيه في أوكرانيا بهدف «كسر عظم» الرئيس الروسي. ويدرك أنه إذا أضر الصراع السياسي في روسيا بمعنويات قواتها، وأدى إلى خسائر في ساحة المعركة، فقد يصبح موقف بوتين أكثر صعوبة. وفي هذه الحالة لا بد أن ينتج عن ذلك تأجيج المخاوف من أن الزعيم الروسي قد يهدد بتصعيد كارثي للحرب بعد أشهر من التلويح باستخدام الأسلحة النووية.

ويخشى قادة التحالف الغربي من أنه إذا كان تمرد فاغنر يؤشر لزعزعة محتملة لقبضة بوتين، وإذا استمر تطور ميدان المعارك من سيئ إلى أسوأ فلا بد أن تتسبب في صداع من نوع آخر.

ذلك أن من يقود روسيا بعد بوتين لا بد أن يكون أكثر قسوة، ويصعب على الغرب التعامل معه. ومن المحتمل أن يكون شخصاً مثل بريغوجين، أو أي نوع آخر من القادة العسكريين الذين يتطلعون إلى السلطة، وليس ليبرالياً مثل أليكسي نافالني، بل زعيم شعبوي من اليمين تحركه غرائز مناهضة للفساد، ولكن له ميول دكتاتورية وحشية خاصة به.

وعلى الرغم من إحياء التحالف الغربي لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، وإرسال مليارات الدولارات والأسلحة المتقدمة، يشتكي مناهضو المشروع من أن الغرب منح أوكرانيا ما يكفي للبقاء على قيد الحياة، ولكن ليس لطرد القوات الروسية من أراضيها، لذا يعلق الآمال على القشة التي يأمل الغريق أن تنفعه في الإنقاذ من الغرق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4th7t4rr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"