الحرية.. إعادة تعريف

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

كنا نعتقد أن العالم بلغ درجة من الرشد، تضبط إيقاع تصرفاته، وتجعلها على قدر ما بلغه من تطور، وتعصمها من أي تهور يمثل مستصغر شرر، يشعل ناراً لا أحد بحاجة إليها. ليس معقولاً الآن أن نضطر إلى إعادة تعريف الحرية لبلدان غربية، تفقد بوصلتها أحياناً، ولا تكون على قدر المسؤولية الواجب التحلي بها، فتقدم على تصرفات هوجاء، لا صلة لها بالتحضر أو التقدم، وهما بضاعة لا تكف هذه البلدان عن تسويقها لنا.

إقدام شخص على تدنيس نسخة من القرآن الكريم قبل حرقه في السويد، أمر لا يمكن قبوله في كل الأحوال، ولا فرق بين أن يكون الفاعل مسيحياً أو غير ذلك، ولا بين أن يكون من أصول عربية أو سواها، فالجريمة أكبر من أي تصنيفات، لكن الأعظم منها أن تكون ارتكبت بتصريح رسمي. 

ومن آيات الحمق ومخالفة كل معنى للتحضر، أن يبرر أحد هذا التصريح بحرية التعبير التي تشدق بها الغرب إلى حد أفقدها كل معنى. وما يدعو إلى العجب أن يستنكر مسؤول سويدي مهاجمة بعض الغاضبين سفارات لبلاده، وإحراق علمها، وأن يصفه بغير المقبول، متجاهلاً السبب الحقيقي الذي قاد إلى ذلك. لا أحد يقبل النيل من أي كيان دبلوماسي، لكن لا يمكن الفصل في واقعة مثل حرق المصحف بين المقدمات والنتائج، خاصة إذا تعلق الأمر باستثارة مشاعر دينية لا يتصور أن يكون احترامها محل اختلاف أو خاضعاً لوجهات نظر يتستر بعضها بحرية التعبير.

وفهمنا الحقيقي لحرية التعبير، يمنعنا أن نقرن بها ردود الفعل الغاضبة التي تمثلت في مهاجمة سفارة أو حرق علم. هذا الفهم عبرت عنه وترجمته الخطوات الرسمية للدول العربية والإسلامية التي علا صوت استنكارها للسماح الرسمي بإهانة الكتاب المقدس للمسلمين، أياً كان عددهم بين سكان العالم. ومن دولنا ما اقترن استنكاره باستدعاء سفير السويد، لمنح رسالة الرفض مستوى آخر من القوة، وبكل تحضر.

وفي صلب هذه الرسالة أيضاً دعوة الأزهر الشريف إلى مقاطعة المنتجات السويدية في مواجهة التصريح بالتعدي على مشاعر المسلمين المحاصرين معظم الوقت في صور ذهنية ترميهم جميعاً بالإرهاب، لأن بعضهم ارتكب ما لا يعبر عن جوهر الإسلام، وبغير تصريح من الدول.

ولو أن مسلماً أتى فعلاً بحق أتباع ديانة أخرى في مناسبة عيد الأضحى، لتجددت في وجوهنا جميعاً تهمة الدموية، والميل إلى العنف، ولو كان التصرف فردياً غير مشفوع بإذن من جهة رسمية اختلطت عليها المعاني وعميت عن تفسير معنى حرية التعبير.

ليس العالم بحاجة إلى مثل هذه الحماقات، ففيه ما يكفيه من صراعات تبدد موارده، وأول الداعين إلى تجاوز هذه الصراعات هم العرب والمسلمون، بينما بعض الغرب يستهويه العبث؛ بل اللعب بالنار، والأنكى أن يستنكر صرخة من احترق بها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ytu86292

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"