حزن الجوار

00:45 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

احتاج الأمر إلى ثلاثة أشهر لتنعقد «قمة دول جوار السودان»؛ للنظر في الأزمة السودانية المندلعة منذ منتصف إبريل/نيسان الماضي، والتعبير عن قلقها مما أنتجته حتى الآن، والتحذير من عواقب استمرارها. ولا يمكن لحصيف أن يقلل من أي جهد يرتجي تجنيب شعب ما خسائر يومية في أرواح أبنائه ومقدراته، فما بالنا إذا كان المعنيّ هنا الشعب السوداني بكل ما يمثله من قيمة على الخريطة العربية.

اللافت فقط في نظر البعض هو انتظار مرور ثلاثة أشهر لتبدي دول جوار السودان حزنها أو قلقها مما شهدته ساحات المعارك المتنقلة في أراضيه، وخشيتها من تأثيراتها المستقبلية التي لن تستثني بالطبع المحيط الجغرافي. والقائلون بهذا الرأي ينطلقون من قاعدة أن جوار السودان كان الأولى بالمسارعة إلى بذل كل الجهد منذ اندلاع الأزمة لتطويقها ومنع امتداداتها الإنسانية المروّعة، خسراناً للأرواح ونزوحاً ولجوءاً، خاصة أن دولتين من هذا الجوار، هما مصر وتشاد، كانتا الوجهتَين الأقرب لمن استطاع الفرار من نيران الفتنة السودانية.

 وعلى صواب هذا الرأي، فإن تأخر التئام هذه القمة له ما يبرره عند البعض، وفي مقدمة مبرراته مخافة بعض الدول، خاصة مصر، من الاتهام بالانحياز لأحد طرفي الأزمة مما يعقّد طبيعة التعامل المصري مع الشأن السوداني، وهو تعامل لم تكن أطراف سودانية ترضى عن مساراته حتى قبل اندلاع الأزمة، ورأينا لذلك تجليات عدة لا ضرورة للخوض فيها. حتى أن أي حديث إثيوبي في الأزمة كان يلاقى بالتشكيك في منطلقاته تأسيساً على ما سبق الأزمة من مناوشات بين أديس أبابا والخرطوم، بعضها متعلق بملف سد النهضة وتطوراته، والبعض الآخر متصل بأمور حدودية. ورغم أن «جنوب السودان» تعاملت مع الأزمة بحيادية منذ بدايتها، وتشاورت مع مصر في سبل التدخل لحلها، لكنها كانت أيضاً تتحسس خطاها، وتخشى ربط أي تحرك لها برواسب الماضي مع الشمال.

على أية حال، انعقدت قمة دول جوار السودان، وفي القاهرة، بمشاركة مصر، وإفريقيا الوسطى، وتشاد، وإريتريا، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان، وبحضور رئيس الاتحاد الإفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية. وهذ الانعقاد، رغم أي شيء، خير من عدمه، وربما يكون آية جديدة على استفحال الأزمة في السودان وإحساس جيرانه بأن شررها يكاد يؤثر فيها تأثيراً مباشراً، ناهيك عن أن القمة التي ستتوالى اجتماعاتها، يحسن أن تتكامل معها تحركات أخرى بصيغ إقليمية مختلفة: عربية، إفريقية، دولية، أو مختلطة، أو بأي شكل يوقف نزيف الدم السوداني الذي لم تعصمه الهدن المتوالية منذ التوقيع على اتفاق جدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مايو/أيار الماضي. وكان المأمول أن يسمح الاتفاق بحماية المدنيين وإتاحة ممرات لتوصيل المساعدات الإنسانية، فضلاً عن الالتزام بسيادة السودان ووحدة أراضيه، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ما يبعث على حزن دول الجوار، وحزننا جميعاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/47fpfs7m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"