هل تلجأ روسيا لتسعير نفطها بالذهب؟

21:36 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تداول مصرفيون أوروبيون، مذكرات ومناقشات داخلية تتعلق باحتمال تعرض المصارف الأوروبية لأزمة سيولة نتيجة ما أسموه «بعض المفاجآت الجيوسياسية وديناميات الاقتصاد الكلي، في حال قررت روسيا، رداً على العقوبات الغربية، وبضمنها تسقيف سعر برميل النفط الروسي عند 60 دولاراً، تسعير نفطها بالذهب، على أساس جرام واحد من الذهب مقابل برميلين من النفط. وقد كان هذا السقف حين أعلنته مجموعة السبع وأستراليا يوم الجمعة، 2 ديسمبر/ كانون الأول 2022، يعادل جراماً واحداً من الذهب.

وتكمن الخشية من قيام روسيا بربط سعر نفطها بالذهب لمراكمة مزيد من احتياطيات الذهب في مخزونها، في ارتفاع سعر أونصة الذهب في أسواق التداول. حينها تكون روسيا قد قامت بإعادة تقييم الدولار الأمريكي فعلياً مقابل النفط الروسي، مثلما قامت أمريكا بتقدير سعر الخام الروسي عند سقف 60 دولاراً. فيصبح الحد الأقصى البالغ 60 دولاراً لبرميل النفط الروسي يساوي سعر جرام واحد من الذهب مثلاً. حينها يمكن أن ترتفع قيمة الذهب وتزيد قيمة احتياطيات روسيا من الذهب. وإذا حدث هذا بالفعل، فقد يشكل مخاطر سيولة للبنوك المشتغلة في سوق الذهب الورقي «Paper gold market» (أداة استثمارية مدعومة باحتياطيات الذهب المادية، تتيح للمستثمرين الاستثمار في الذهب من دون الحاجة إلى تخزينه فعلياً. واستثمارات الذهب الورقي متاحة من خلال أدوات مالية مختلفة، مثل المشتقات والشهادات والصناديق المتداولة في البورصات). لماذا؟ لأن ارتفاع، أو حتى مضاعفة قيمة الذهب ستكون مشكلة بالنسبة للبنوك المشاركة في أسواق العقود الآجلة لأغراض التحوط والمضاربة. فإذا دفعت الحكومات ثمن النفط بالذهب، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة سيولة بين عشية وضحاها في البنوك.

وإذا حدث هذا – في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة على إعادة ملء احتياطياتها الاستراتيجية بالنفط الرخيص (طبعاً في حال لم تنجح «أوبك بلس» بتدابيرها التحوطية، أي التخفيض الذكي والممنهج لسقف إنتاجها، توازياً مع قوة الطلب العالمي المؤمِّن لسعر البرميل المستهدف وغير المعلن من قبل أعضائها، وهو نحو 100 دولار للبرميل)، فيمكن أن نشهد عملية إعادة تقييم لسعر الدولار المقومة به أسعار النفط والذهب.

والحقيقة التي لا يذكرها الإعلام الاقتصادي كثيراً، هي أن روسيا، رداً على العقوبات الأمريكية الأوروبية، اتخذت خطوة مفاجئة، تمثلت في قيام مصرفها المركزي بتسعير الروبل مقابل الذهب، عند 5000 روبل للجرام الواحد من الذهب. ثم نصبت روسيا فخها، بإعلان وزارة المالية أنها ستطالب بدفع ثمن النفط والغاز الطبيعي، وغيرهما من صادراتها المهمة، بالروبل.

جاك بورجيان، الرئيس السابق لبنك التجارة في شيكاغو ورئيس مجلس إدارة مجموعة السلع الذكية العالمية، وصف ما قام به الروس بأنه «عمل عبقري، رغم أنني أكره قول ذلك»، كما قال. حيث أجبر هذا الإجراء المستوردين للنفط والغاز، وبعض الصادرات الصناعية الروسية المهمة، بدفع الذهب للبنك المركزي الروسي للحصول على الروبل لإجراء معاملاتهم. وكان يتم تداول الروبل بعد العقوبات عند نحو 120 روبلاً مقابل الدولار، بعد أن كان يُتَداول في حدود 70 إلى 80 روبلاً مقابل الدولار قبل العقوبات. لكن، بفضل قرارات البنك المركزي الروسي، تعافى الروبل بشكل أساسي حيث عاد إلى سعر صرفه السابق (نحو 80 روبلاً مقابل الدولار). وهذا بسبب ربط الروبل بالذهب.

ومن خلال ربط عملتها (الروبل) بالذهب، تكون روسيا قد دفعت باتجاه جعل عملتها مستقلة عن المقارنات بالدولار الأمريكي. فهي تحاول خلق مسار مالي عالمي بديل للدولار، وكذلك زيادة كمية الذهب الذي تحتفظ به في خزينتها لتكون جاهزة عند تحديد معيار قياس القيمة الجديد حين تبدأ مفاوضات ما يمكن أن نطلق عليه «بريتون وودز 2». وفي ضوء استمرار مثل هذه المساعي، وبضمنها محاولات روسيا والصين لإزاحة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية في العالم، ما الذي سيحدث لو أن جزءاً مهما من تجارة الطاقة العالمية تحول عن الدولار؟ هل هذا يمكن أن يثبط الطباعة المتهورة للعملة، كما فعلت الولايات المتحدة على مدار الخمسة عشر عاما الماضية؟ حيث نمت الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي من 800 مليار دولار في 2008 إلى ما يقرب من 8.5 تريليون دولار في عام 2021؟ كان من المستحيل زيادة طباعة العملة بمقدار عشرة أضعاف لو أن الدولار مدعوم بالذهب، كما كان الحال إلى ما قبل قيام الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، بفك ارتباط الدولار بالذهب، حين قرر في أغسطس/ آب 1971 إغلاق نافذة الذهب لمنع الحكومات الأجنبية من بيع الدولارات لتكديس الذهب كتحوط ضد التضخم المستمر في الولايات المتحدة. المثير، أن الولايات المتحدة تواجه اليوم حالة تضخمية مشابهة حتى في نسبة التضخم السائدة؛ في ذات الوقت الذي تحاول فيه روسيا إحياء الذهب وآليات الدفع الأخرى بغير الدولار كوسيلة للتبادل. إنها خطوة محسوبة لأن الذهب يتمتع بجاذبية خاصة لدى الهند والصين، أكبر مستوردي الذهب في العقود الأخيرة.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/t9c4wstb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"