«هدنة غزة».. الدلالات والتداعيات

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شرّاب
ماذا تعني الهدنة الطويلة أو هدنة لعشر سنوات وهل هي بديل للحرب مقدمة للسلام؟

وما علاقة الهدنة بالسلطة الفلسطينية وخياراتها السياسية؟ وأين الخيار الفلسطيني التكاملي؟

قبل الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها أشير إلى مفهوم الهدنة ورأي خبراء القانون الدولي فيها. الهدنة هي معاهدة مكتوبة تهدف إلى وقف الأعمال القتالية والحرب بين الأطراف المتنازعة ولكنها لا تعني نهاية للحرب؛ وإنما هي فقط وقف القتل والقتال لفترة زمنية محددة قد تطول أو تقصر، وهي ليست سلاماً جزئياً أو مؤقتاً وإنما وقف للعمليات العسكرية لفترة زمنية متفق عليها.

وعرفها فقهاء القانون الدولي بالتالي: وقف العمليات العسكرية بين طرفي القتال، وهي إجراء يحمل الطابع السياسي إلى جانب الطبيعة العسكرية كمقدمة لإيجاد أساس لعقد صلح بينهما.

والذي يملك الحق في عقد الهدنة هي حكومات الدول وليس زعماء القتال. وقد تكون الهدنة شاملة تشمل جميع العمليات الحربية في كل الاتجاهات، كما هو حال الهدنة التي أقرها مجلس الأمن في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948.

في سياق هذا المعنى تثار العديد من الملاحظات حول الهدنة في غزة، أولها صفة التعاقد ومن الذي يملك حق هذا التعاقد، الفصائل أم السلطة الفلسطينية وسط حالة الانقسام الحادة المسيطرة على الوضع؟.

وثانياً وبناء عليه، فلكل من غزة خياراتها وللضفة، والمقصود هنا السلطة، خياراتها.

وثالثاً، إسرائيل وغزة، تحكم علاقتهما الحرب، فمنذ وصول الفصائل لحكم غزة دخل الطرفان في خمس حروب، والبديل للحروب الهدنة، وهذا يعني أن المحدد الرئيسي في العلاقة عقدة ثيوسيديدس الأمنية، فغزة تقع في قلب أمن إسرائيل وأي تطور في القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية يعنى تجدد خيار الحرب.

ورابعاً، وفي مقابل عقدة ثيوسيديدس، هناك الحصار المفروض على غزة وحاجة الناس لرفع الحصار وتدفق السلع وزيادة عدد العمالة، ما يعني رفع قدرات حكم الفصائل وتثبيته وهذا عامل ومحدد أساس في الهدنة.

وخامساً، عامل الحكم الذي يشكل مصلحة عليا للفصائل التي تدرك أن بقاء الحكم مرتبط بشكل أو آخر بإسرائيل حرباً واقتصاداً.

وهنا فإن الرغبة في بقاء الحكم تشكل دافعاً قوياً للهدنة، وبالمقابل إسرائيل تقول إنها لا تريد العودة للاحتلال، وتدرك أن الفصائل قادرة على تحقيق هذا الهدف، إلى جانب أن بقاءها في الحكم يحقق لإسرائيل الحيلولة دون تحقيق حل الدولتين، استنادا إلى أن غزة تشكل أحد البدائل للدولة.

وأنها غير محتلة، ومن مصلحتها بقاء الوضع على ما هو عليه بما يحقق هذه الأهداف. في ضوء هذه الملاحظات تبدو الهدنة أولوية مشتركة للطرفين، فهي بديل لعدم الاعتراف بإسرائيل، ومن ناحية ثانية أولوية لإسرائيل لتكون غزة البديل لحل الدولتين، أو أن هناك دولة في غزة، وهو ما قد يسهل عمليات الضم التي تقوم بها إسرائيل في الضفة. ولعل الهدنة باتت تشكل أولوية للفصائل للحفاظ على قدراتها في غزة. هذه الهدنة تساهم فيها كثير من الأطراف والدول من منطلق أنها قد تكون بداية لمرحلة سياسية جديدة، ففي حال استمرارها ونجاحها قد تمهد لمرحلة أكثر قبولاً بين الطرفين ومن ثم مرحلة التسوية.

والهدنة تخدم أهداف الفصائل بشكل كبير، لأنها تضمن لها التمسك برحلة الانتظار والترقب وهي من أهم مكونات سياستها التي تقوم على ترك الأمور انتظاراً لما قد يحدث مستقبلاً. ففي هذه المرحلة الأولوية لهدنة، وما يؤكد ذلك عدم انخراط ومشاركة كل الفصائل في الحرب الأخيرة على غزة والتي قامت بها إسرائيل.

ويبقى أن الهدنة تأتي في سياق ما تراه الفصائل لمستقبلها ودورها وليس ما يتعلق بالتسوية السياسية والعملية التفاوضية التي تتبناها السلطة وهو ما يضعف الخيارات الفلسطينية. وفي الوقت ذاته الهدنة لا تتوقف عند وقف الحرب، بل لها أهداف سياسية تتمثل في حفظ الأمن والحدود في غزة وهي أقرب لنفس الوظائف التي تقوم بها السلطة في الضفة. وأخيراً تأتي الهدنة في سياق تحوي حالة الانقسام إلى حالة ثابتة ومستقره تمهد لحالة الاستقلالية. وعلى أهميتها تبقى محصورة في أهداف ضيقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/335v3hk7

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"