«بريكس» والنظام العالمي

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

تجري الاستعدادات لعقد قمة مجموعة دول «بريكس» بين 22 و24 من أغسطس/ آب الحالي في جنوب إفريقيا، وسط رهانات وتطلعات كبيرة بالإسهام في إحداث التغيير المرتقب، إن كان على صعيد تعزيز الشراكة مع إفريقيا أو رسم ملامح النظام العالمي الجديد في ظل المتغيرات المتسارعة في الساحة الدولية.
وبعيداً عن الجدل الذي أثير حول مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يسند إليه اقتراح تأسيس المجموعة، واكتفائه بالمشاركة عبر الفيديو، وإسناد المهمة إلى أرفع مسؤول دبلوماسي روسي؛ وهو وزير الخارجية سيرغي لافروف، على خلفية قرار المحكمة الجنائية الدولية المطالب باعتقاله، فإن قمة «بريكس» تكتسب، هذه المرة، أهمية استثنائية، بالنظر إلى الاستقطاب الحاد في الساحة الدولية، الذي أعقب الحرب الأوكرانية، والصراع المحتدم بين القوى الدولية الكبرى على توسيع مناطق النفوذ، خصوصاً في القارة الإفريقية الغنية بالثروات والموارد الطبيعية.
فكرة «بريكس»؛ وهي اختزال لمصطلح الدول الصاعدة اقتصادياً، والتي تشكلت من روسيا والصين والبرازيل والهند عام 2006 وانضمت إليها جنوب إفريقيا في 2010، قامت على أساس تشكيل تكتل اقتصادي قوي في مواجهة الهيمنة الاقتصادية الغربية، والأمريكية تحديداً، على العالم، والسعي إلى تغيير النظام العالمي، ليكون أكثر عدلاً وشمولية. لكنها في الواقع يمكن أن تشكل قوة سياسية هائلة، إذا توحدت مواقفها، وأن تحدث تأثيراً كبيراً في هذا النظام الجديد الآخذ في التشكل. فهذه المجموعة، ومن دون الإغراق في التفاصيل، تتمتع نظرياً بقدرات مذهلة؛ حيث تشكل 31 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي، و18 في المئة من حجم التجارة، و26 في المئة من مساحة العالم، و43 في المئة من سكان العالم، وتنتج أكثر من ثلث حبوب العالم.
وعلى المستوى العسكري، تضم أربعة من أقوى جيوش العالم تابعة لروسيا والصين والهند والبرازيل، بقوام نحو 11 مليون جندي، ويبلغ حجم إنفاقها الدفاعي مجتمعة 400 مليار دولار، وفق إحصاءات موقع «غلوبال فاير بور» لعام 2023. واليوم مطروح على هذه القمة، انضمام 22 دولة؛ بينها 8 دول عربية لديها إمكانات اقتصادية وبشرية هائلة، أي أن هذه القوى مجتمعة قادرة لو توحدت في تكتل جديد على تغيير النظام الأحادي القائم، وإنهاء الهيمنة الغربية الأمريكية على الاقتصاد العالمي والساحة الدولية برمتها، لكن هذه الصورة التي تبدو وردية، لا تعكس حقيقة الواقع كما هو في الوقت الراهن؛ حيث إن هناك الكثير من المصالح المتناقضة بين أعضاء التكتل الأساسيين؛ إذ يكفي أن نشير إلى أن حجم التبادل الاقتصادي الأكبر للصين هو مع الولايات المتحدة، وروسيا مع الاتحاد الأوروبي قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية وغير ذلك الكثير، ما يحتاج إلى عمل شاق وطويل، لإنجازه بين دول المجموعة.
ومن هنا يأتي التركيز على الشراكة بين «بريكس» والقارة الإفريقية، والدعوة إلى فتح مجالات الاستثمار في القارة بدلاً من نهب خيراتها، لكن ذلك لا يمنع من القول إن انسجام أو وحدة المواقف السياسية والاقتصادية قادرة على تحقيق الكثير من المنافع المشتركة، وإحداث التغيير المطلوب في النظام العالمي الراهن.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ee3tfdh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"