القوى الناعمة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

مع الأعوام الكثيرة التي نتجت عنها سياسات مختلفة واستراتيجيات دبلوماسية، تغيرت مفاهيم كثيرة في التأثير في الشعوب، وكسب صداقتها، في فهمنا للكثير مما قد مرّ علينا، في إدراكنا كيف أن الكثير من الدول اعتنقت فكر القوى الناعمة واستثمرت فيها، حتى تكون ذات مكانة سياسية واقتصادية واجتماعية لدى الأمم والشعوب، وتكون جزءاً من ثقافتها وتاريخها وحتى احتضان معتقداتهم دونما استعمار أو حتى حرب.
اليوم تمتلك الدول الكثير من الإرث الذي تحاول أن تجعله في يومياتنا وفي فهمنا لسياساتها، وأدركت أن سياسة الصداقة والحب والخير، فعل عالٍ من كسب الودّ والتأثير؛ ويبقى السؤال: هل اختلف إدراك البشر لمفهوم القوى الناعمة؟ 
إنه «مفهوم صاغه جوزيف ناي من «جامعة هارفارد» لوصف القدرة على الجذب والضمّ، دون إكراه أو استخدام للقوة». في الآونة الأخيرة، استخدام المصطلح للتأثير في الرأي الاجتماعي، وتغييره بقنوات أقل شفافية نسبياً، والضغط عبر المنظمات السياسية وغير السياسية. 
ولنأخذ الجانب الإيجابي من التعريف، وهو «دون إكراه»، أصل ديننا، لا إكراه في الدين، ولا تعصب، ولا إجبار، بل إنه خُلق وقدوة وامتثال لما يتقبله العقل والفكر السليمان، فديننا تنبع منه فكرة القوى الناعمة منذ قرون. ولو عدنا بالتاريخ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لأدركنا في مدرسته الكثير، لقد جعل إرسال المعلمين وسيلة لجذب الناس إلى الإسلام، وجعل الإبقاء على دينهم وممارساتهم، أصلاً في التعامل، وهذا ما تسير عليه اليوم القوى الكبرى في الجذب والتأثير، وتسليح المجتمعات بمعتقدات وأفكار مدروسة، ويبقى السؤال: هل ندرك اليوم بماذا نحن نؤثر في من حولنا؟ وكيف؟
كلّنا نؤثر مباشرة في من حولنا، وكلنا في مهماتنا، وما ننقله من ثقافة وفكر حقيقي عنّا وعن حياتنا، نؤثر إيجابياً أو سلبياً في نمطية تفكير الآخرين فينا، فكان لا بدّ من إدراك التأثير الاجتماعي والثقافي بالمجمل في وجودنا على الخريطة العالمية.
إن الكثير من الزيارات الرسمية، وتوقيع الاتفاقيات، والمناسبات الثقافية والاجتماعية، هي رسائل لبناء جسور الحب والتسامح والصداقة، رسائل خير للعالم، نقل صورة حضارية عن حقيقة الإنسان الذي بنيت عليه دولتنا، وصورة دين التسامح والتقبل الذي يسري في دمائنا.
إننا اليوم جزء من سياسة القوى الناعمة، وجزء من تحرير الصورة السلبية عن مجتمعاتنا، ومسؤولون أكثر على تضمين الإنسان واحتياجاته، بمختلف الأعراق، والأديان والألوان فنحن جميعاً متضامنون ومتساوون على أرض خلقها الله لنا جميعاً، دونما كره أو ضغينة، ودونما جبر أو تسلط، لنكون صورة مثقفة، متعلمة، متّزنة وواعية للحياة التي نريد أن نكون جزءاً منها، ولتاريخ نحن أهل لأن نسطر تفاصيله بجمال ما نملكه من قيم وأخلاق وهُويّة وثقافة.
 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/dzpnttzr

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"