عادي
قرأت لك

«نصوص في العزلة».. يبشر بحياة جديدة

00:31 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

الشارقة: عثمان حسن

«نصوص في العزلة.. كتابات للأمل في زمن الجائحة»، كتاب جاء بمبادرة إماراتية أعلنتها وزارة الثقافة والشباب بمناسبة يوم الكاتب الإماراتي عام 2021، وبالتعاون مع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وصدر عن المتحدة للطباعة والنشر في أبوظبي.

والكتاب تضمن نصوصاً إبداعية مزجت بين الشعر بأشكاله المختلفة وبين النصوص السردية والقصصية التي كتبت في زمن جائحة «كوفيد-19»، وقاربت النصوص العزلة التي فرضتها الجائحة بطاقة مفعمة بالأمل، وعبّرت عن شغف كتابها بجمال الحياة، وقدرة الأدب على العطاء والتفاعل مع الحادثة بكل طاقة إيجابية تليق بالتجربة الحياتية والإنسانية التي تستحق أن تعاش.

اشتمل الكتاب الذي جاء في 184 صفحة من القطع المتوسط، على مساهمات أدبية لنحو 38 شاعراً و20 قاصاً ومبدعاً إماراتياً وعربياً، كما اشتمل على قراءة نقدية في الجائحة، قدّم الشعراء 29 قصيدة فصيحة و9 قصائد نبطية، بينما قارب 20 كاتباً الجائحة بنصوص سردية، تراوحت بين القصة والنص المفتوح.

وتضمن الكتاب أسماء معروفة لمبدعين إماراتيين: د. مانع سعيد العتيبة، وعلي أبو الريش، ود. شهاب الغانم، ود. عارف الشيخ، ود. باسمة يونس، وعلي العبدان، وعادل خزام، وكريم معتوق، وعلي الخوار، وخليل عيلبوني، وحسان العبيدلي، ومبارك بالعود العامري وغيرهم، فضلاً عن مبدعين مقيمين على أرض الدولة، مثل: د. بهيجة إدلبي، وسامح كعوش، ود. هيثم الخواجة وغيرهم.

ضوء

صنعت هذه الكتابات رؤية إبداعية بانورامية تعايشت مع كارثة «كورونا»، واخترقت جدرانها الصلدة، وأكدت مفردة الأمل، الأمل كمطلب أساسي للناس، الأمل الذي يفضي إلى التفاؤل وحب الحياة، فالكارثة لم تثنِ الكاتب عن الاستمرار في مزاولة الإبداع، وتعزيز ثقة الناس بقوة الإرادة، وتجاوز التحديات، وهذا هو ديدن الكتابة القادرة دوماً على التجاوز، الكتابة التي تجدد نفسها باستمرار تماماً كطائر الفينيق، الذي يغدو طائراً عصياً على الانكسار والانزواء، لأنه يؤمن بالحياة ويرى أنها تستحق أن تعاش، فالحياة والكتابة صنوان لا يفترقان، لكل منهما دور وميدان لمحاربة الجهل، وتجديد الإرادة الإنسانية الخلاقة الطامحة باستمرار لنكء الجراح وتفتيت غشاوات العزلة والانكفاء.

لقد أكدت إسهامات الكُتاب في الكِتاب على جرعة كبيرة مفعمة بالأمل والتفاؤل، في ظل ما واجهته من صدمة تسببت فيها جائحة كورونا، وكانت بحق قادرة على العطاء، وتخطي الجائحة، كتجربة مغايرة كانت صادمة بكل المقاييس في عام 2021، وأثبتت أن الإبداع طاقة خلاقة تستطيع أن تجترح المعجزات، فهي ترى ما لا يُرى، تستشف ما لا يستطيع غير المبدع أن يشعر به ويتلمسه، رغم دياجير العتمة وسدم الجائحة وأوجاعها ومصاعبها.

فيض

في الشعر حملت مساهمات الكتاب عدة نصوص إبداعية، حيث نقرأ لعادل خزام نصاً بعنوان «كورونا.. الثقب الأسود لوجودنا» وجاء فيه:

«إنها الأرض العجوز / تتدحرج مثل جرة فخار على منحدر / وقريباً ستصطدم بالصخرة الناتئة / لكننا لن نموت / نتباعد، لكن لا نفترق / نبكي على الأحبة إن غادروا، وداعاً / ونفرح. أطفالنا آتون / يولدون صلعان مثل أقمار صغيرة / ويضيئون حزن هذا الكوكب».

وفي الشعر أيضاً نقرأ للدكتورة فاطمة المعمري نصاً عنوانه «ترانيم العزلة» حيث تقول:

«هل تستطيع العزلة أن تصنع مني طائراً؟ / نورساً يضع في عنقه عقداً من ياسمين / هل تصنع العزلة منك بحراً / آوي إلى شطآنه يوماً / وأصبح أول نورس يولد من فراغك / وتصبح آخر بحر أنسج انتظاره وأغسل موجه بالرمل».

كما نقرأ للدكتورة بهيجة أدلبي، نصاً شعرياً بعنوان «تراتيل امرأة»، حيث تقول:

«للشعر فيض من تراتيل امرأة / تسعى فيسعى / يستوي في ظلها / لتحل في وجد الخيال / وتنشئه / يلقي إليها ما تشاء فتوحه / فترده للماء يشهد مبدأه / يبتل بالأسرار في مرآتها / إما رأت أوحت / فشف كمن رأى».مراوغة

بعض الكتاب راوغ الجائحة بمساهمات سردية جميلة، خارجة عن المألوف، كما هو في قصص كثيرة لبديعة الهاشمي، وباسمة يونس، وعلي العبدان، ونجيبة الرفاعي وغيرهم، فمن نص لعلي العبدان بعنوان «كنس الفناء» نقرأ:

-كنا رجلاً وامرأة، والآن أنا امرأة فقط؟

-قالت هذا، ثم خرجت إلى فناء بيتها هذا الصباح، وقد عرفت حالة الجو.

-فطالما لا توجد ظلال إذاً لا توجد شمس، وهذا يوم غائم وقالت في نفسها:

-هذا الضياء الخفيف يكفيني، وإن احتجبت الشمس، بل إنه يجعلني أرى كما لم أر من قبل! ثم أخذت مكنسة وشرعت في كنس الفناء، مع أنها كنسته مرتين يوم أمس، فقد كانت تشعر بالضيق منذ الليلة البارحة، وهي تظن أن الشعور بالضيق يزول مع الكنس.

«الثانية بعد منتصف الحظر»، هو نص قصصي لمهرة سالم الكندي تقول فيه:

«أما الشرفة الأحب إلى قلبي، شرفة يقف خلفها عجوزان يتعانقان بالنظر كل ليلة يرشفان من كوبين مختلفين، شرفتهما هي الأجمل في هذا الحي. والنافذة الخضراء منذ يومين لم أشاهد صاحبتها العجوز اللطيفة التي تتحدث مع البراعم تحثها أن تزهر. ولكن ما أصبح يشغلني هو حال بائع البالونات، كيف هو حاله دون ضحكات الصغار، وماذا عن الكلب المرقط الذي مر ليأكل من أمام المتجر الذي أغلق أبوابه، وما حالهم هناك أصحاب النوافذ المغلقة منذ أيام، هل دخلوا الحجر الصحي أم رحلوا..».

وتتابع مهرة الكندي: «كم أتمنى أن تعود الحياة طبيعية، الناس في الخارج وضحكات الصغار على الطرقات، وأنا أمارس هوايتي كل مساء بمراقبة النوافذ والشرفات، أصبحت النوافذ القليلة المفتوحة لا تغريني، متشابهة لا جديد فيها».

إكسير الحياة

وبعد، فهذه كتابات إبداعية عن زمن مضى، عن وباء حاول أن يمكث في الأرض، لكنه فر وتضاءل وتلاشى، مضى كغيره من الأوبئة والجوائح التي مرّت من هنا، ما يثبت أن النص الأدبي بوصفه محصلة لتفاعلات الكاتب مع المحيط التاريخي والاجتماعي الذي يتحرك فيه، ظل مهموماً بالكارثة، يطرح أسئلته، ويواصل تأثيره، ليقلل من تداعيات الأذى، فيتواصل مع الناس على الشرفات والمقاهي وبين الجدران، يسمع شكواهم ويُصغي إلى أوجاعهم، ما يثبت أن الكتابة هي هاجس إنساني تصنع ضالتها من خلال تجربة إبداعية، تختزن وعي اللحظة، لتصنع بدورها إكسيراً لهذه الحياة التي تستحق أن تعاش.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/83m4texa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"