عادي
«المجموعة» تحترم خيارات الشعوب.. وأكبر متلقٍ للاستثمار في العالم

«بريكس».. شراكة من أجل المستقبل

00:17 صباحا
قراءة 5 دقائق

د. أيمن سمير
صاغ المصرفي الشهير في بنك جولدن مان ساكس جيم أونيل عام 2001 مصطلح «بريك» للإشارة إلى التعاون الاقتصادي بين الدول الأربع الأسرع نمواً في العالم؛ وهي الصين والهند وروسيا والبرازيل، توقع أونيل أن تمتلك هذه الدول مكاناً ومكانة خاصين على الساحة الدولية، لكنه لم يتوقع أبداً أن تصبح دول «بريك» التي تحولت إلى «بريكس» بعد انضمام جنوب إفريقيا للمجموعة عام 2010، الأكثر «جاذبية ومقبولية» في العالم، هذه الجاذبية يؤكدها سعي أكثر من 22 دولة منها 23 دولة للانضمام إلى «بريكس»، ونجحت كل من الإمارات والسعودية ومصر في الانضمام للمجموعة بالفعل، وتم الإعلان رسميا عن الانضمام الأسبوع الماضي خلال قمة المجموعة بجنوب إفريقيا.

تتسابق دول كثيرة في إفريقيا وآسيا وأمريكيا الجنوبية والكاريبي للحاق بالمؤسسات والأذرع المالية، التابعة للمجموعة؛ مثل: «صندوق التنمية الجديد» الذي تترأسه رئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف، وصندوق «التحوط» الذي يشكل ركيزة مالية لاستقرار اقتصادات التجمع ضد التقلبات وعوامل عدم الاستقرار المالي والاقتصادي في الأسواق الدولية؛ لذلك تعمل 7 دول عربية من أصل 23 دولة قدمت طلبات بالفعل للانضمام لهذا التكتل؛ وهي: الإمارات والسعودية ومصر والجزائر والكويت والبحرين وفلسطين، كما أن الإمارات ومصر أصبحتا بالفعل أعضاء في بنك التنمية الجديد التابع ل«البريكس»، وفق بيان لوزارة الخارجية في جنوب إفريقيا.

الصورة

تعبر الرغبة في الانضمام ل«البريكس» عن وجود إرادة سياسية، وتعبير صادق على توجه العالم نحو عالم متوازن اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، فما الأسباب التي تقف وراء «الجاذبية» السياسية والاقتصادية لمجموعة دول «البريكس»؟ وهل يمكن أن يأتي اليوم الذي تتفوق فيه «البريكس» على مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى؟ وماذا يعني كل ذلك للنظام العالمي الحالي القائم على «القواعد الأمريكية والغربية»؟

قصة «البريكس»

تحليل الأرقام والإحصاءات، يؤشر إلى أن «البريكس» تزحف بقوة لتنافس مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى والمؤسسات المالية الغربية؛ مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ونادي باريس، بعد أن زادت وتيرة الإنتاج والاستثمار والبنية التحتية، وتوظيف كل ذلك من أجل التمكين السياسي والاقتصادي ل«البريكس» في ظل معدلات النمو المرتقعة التي تشهدها دول المجموعة، فعلى المستوى الاقتصادي تشكل «البريكس» بعد انضمام الإمارات والسعودية ومصر والارجنتين واثيوبيا وايران نحو 30% من التجارة الدولية، و42% من سكان العالم، كما يتدفق عليها سنوياً نحو 355 مليار دولار؛ استثمارات مباشرة، وهو دليل جديد على حيوية ومرونة اقتصادات هذه المجموعة التي تقع ضمن أكبر أحد عشر اقتصاد في العالم، ووصل عدد سكانها عام 2021 إلى نحو 3.25 مليار نسمة، وفي مقارنة بين مجموعة «البريكس» والدول السبع الصناعية الكبرى، قال صندوق النقد الدولي «إنه في عام 2002 كانت الناتج الإجمالي لمجموعة البريكس نحو 19.5%، في مقابل مشاركة الدول الصناعية السبع ب42.3 % من الناتج العالمي، بينما في عام 2022 وصل الناتج القومي للبريكس إلى 30.2% في مقابل 30.3 للدول الصناعية السبع الكبرى»، ويتوقع الصندوق أن تصل إسهامات دول «البريكس» الخمس الحالية إلى الثلث من الناتج الإجمالي العالمي عام 2050، بعد أن وصل إجمالي الناتج المحلي للمجموعة إلى نحو 26.3 تريليون دولار بنهاية عام 2022، وهو ما يعني أن الإنتاج الإجمالي لهذه المجموعة، تجاوز بالفعل الناتج القومي الأمريكي الذي بلغ نحو 21 تريليون دولار، وبلغ الناتج القومي للصين وحدها نحو 16.8 تريليون دولار، كما تتفوق «البريكس» في مسار آخر، وهو عدد السكان، ففي عام 2021 تجاوز عدد سكان «البريكس» 3.24 مليار نسمة، منهم 1.4 مليار نسمة في كل الهند والصين، بينما بلغ عدد سكان روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا نحو 415 مليون نسمة.

لا شك أن الدول التي تسعى إلى الانضمام ل«البريكس» ترى الكثير من المزايا في هذه المجموعة التي أثبتت نجاحاً غير مسبوق سواء في علاقاتها البينية أو من خلال روح التكتل التي تجمع الدول الحالية الخمس، ومن هذه المزايا ما يأتي:

أولاً: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فدول «البريكس» لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهذا خلاف ما تقوم به الولايات المتحدة، والدول الغربية التي تضع الكثير من الشروط، لبناء الشراكات الاقتصادية والأمنية.

الصورة

الخطاب السياسي والإعلامي

وعلى الرغم من أن المدقق في الخطاب السياسي والإعلامي ل«البريكس» يتأكد له أنها لها «مصفوفة قيم» تقوم بالمحافظة على «الدولة الوطنية»، و«المؤسسات القومية»، واحترام «النمط التنموي» للدول الأخرى، وتقوم العلاقة بين دول «البريكس» على مبدأ «رابح - رابح»، والدعم المتبادل خلال فترة الأزمات، وهو ما يجسده «صندوق التحوط»، التابع للمجموعة، كما أن «البريكس» ترفض كل الأدوات الغربية، للتأثير في مواقف الدول والشعوب، ولهذا تناهض «البريكس» فكرة التدخل في الشؤون الداخلية؛ مثل: الثورات الملونة، وأدوات التأثير من «الجيل الخامس»، والترويج للتغير بالقوة الخشنة أو الناعمة، وتحترم «البريكس» خيارات الدول والشعوب، ويرتبط بهذا احترام دول «البريكس» للمؤسسات الوطنية، والعمل معها، والسعي إلى تفعيلها وليس هدمها كما يفعل البعض الآخر.

الصورة

ثانياً: الدولار والعملات الوطنية..

فالسائد حالياً في التجارة البينية بين دول «البريكس»، هو تقليل الضغوط على الدولار، وتتبنى مبدأ التعامل ب«العملات الوطنية»، وهذا سوف يشكل بداية في العلاقات التجارية البينية بين دول «البريكس».

واقتصادياً ستتيح المجموعة لإعضائها مكاسب اقتصادية كبيرة في مقدمتها تقوية العملات الوطنية ، حيث يبلغ الميزان التجاري بين روسيا والصين نحو 200 مليار دولار سنوياً؛ وهو ميزان يضم صادرات روسية بنحو 110 مليارات دولار، وصادرات صينية ب90 مليار دولار، ولهذا يمكن تسوية ما قيمته في الوقت الحالي ب200 مليار دولار بالروبل واليوان،

ثالثاً: صوت واحد للجنوب، فدول «البريكس» تسعى لأن تكون منصة وصوت الحرية والتكامل الاقتصادي بين الشعوب، وعلى سبيل المثال، تسعى دول «البريكس» وهي كلها أعضاء في مجموعة العشرين إلى منح عضوية مجموعة العشرين إلى الاتحاد الإفريقي حتى يكون للجنوب صوت مسموع في صناعة القرارات الدولية، وتضغط المجموعة على صياغة معادلة دولية جديدة، يكون للجنوب فيها قوة ونفوذ وتأثير يعادل الوزن النسبي السياسي لدول «البريكس» والجنوب التي بات لها قوة في التصويت في المحافل الدولية والإقليمية.

رابعاً «المساواة والندية»، ففي الوقت الذي لا توجد مساواة في المؤسسات المالية الغربية، وتجري الدول مفاوضات تستمر لسنوات، للحصول على قرض من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، تأتي «البريكس» ومؤسساتها المختلفة، لتقدم تجربة مختلفة تقوم على «المساواة الكاملة» في «القوة التصويتية» للدول الأعضاء

المؤكد أن التسابق لدخول «البريكس» يعكس رغبة عميقة وقوية، لبناء عالم جديد قائم على السلام والاستقرار والعدالة في الفرص بين مختلف دول وشعوب العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/9hy7cffd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"