الكوارث والإنسانية

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

حين أفقت اليوم، مثلي مثل غيري، جالت في خاطري أشياء أخرى لربما أكتبها، وقد كانت خطط اليوم بمشاعرها وتفاصيلها نوعاً ما طبيعية، ولا يعكرها شيء، لكننا جميعاً فجعنا بكارثة جديدة، لإخواننا في المغرب، كارثة الزلزال الذي أودى بالمئات ولا تزال الأخبار والمشاهد التي تصلنا تدمي القلب، للفقد من جديد، للحزن المتوالي، وللصدمة التي لا يعيشها من في «مراكش» فقط بل كل إنسان في قلبه ذرة إحساس.

لا أستطيع الجزم بأنها كارثة فردية، فلو قمنا بعملية بحث شاملة لوجدنا أن في هذا العالم الكثير من الكوارث الطبيعية، المجاعات، احتراق الغابات، ارتفاع درجات الحرارة، ولعلي لو استفضت كمتخصصة في مجال البيئة، لقلت دونما تردد: الأرض تنتفض، والبحار تثور، والغابات تختنق والوجود صار يختلف، والعملية كلها تغير مناخ وتفاصيل علمية وسياسية واقتصادية بحتة، لكنني سأتوقف هنا فلا يحتاج مني أحد الى أن أخبره بحقيقة ما حولنا، وكل ما في خاطري يقول لك: الكوارث ستجعلنا دائماً نعيد النظر في حياتنا، ومنظورنا للأمور، وماهية حقيقة حياتنا وما نريد، فهل من قلب مدرك؟

عزائي أولاً لإخواننا في المغرب، ونتمنى من كل قلوبنا الشفاء لكل المصابين والنجاة لمن هم تحت الأنقاض، ولك أرسل السؤال: أي الأنقاض انتشلتك اليوم وأين يقبع دارك ومكانك، أهلك وأنت؟ وهل تفكرت في الحياة من باب السؤال: ما هي نعمك، هل ابتعدت عن سرد النقم والإحباطات؟ لسنا مثاليين ولا نريد أن نبتعد عن جوهر ما يحدث حولنا في العالم ومع إخواننا، لكن الله يبتلينا حتى في مشاعرنا وإدراكنا للأمور، لسنا بعيدين عن أي شيء في هذه الحياة وعن أن تصيبنا متغيرات مؤلمة، لكن ما يؤلم أكثر استمرارنا في إنكار تفاصيلنا، إنسانيتنا، وأن نتجرد حتى من فكرة أن نتوقف قليلاً ونفكر كيف أن الوقت الذي يمضي لا يعود وأننا نسلب من ذاتنا قيمة الوجود، لا تنم وأنت ظالم، ولا تستيقظ وفي نيتك أذى أحد، لا تحرم أحداً الفرح، ولا تكن في هذه الحياة إلا بلسماً، فلا ندري من منا سيصحو على فاجعة تهز حياته.

من قيمة الإحساس بالبشر، ولقيمة الأرض التي نعيش عليها، أتعجب أحياناً من كثرة الهدر والاستهلاكية التي نعيشها، والتمادي في ما نعلم أطفالنا عليه، نتيجة توفر كل شيء يحتاجون اليه من ماديات في أي وقت ودونما تعب، وأطفال في العالم لا يعرفون حتى معنى سريان الماء في المنزل، لا يدركون قيمة النور في عتمة الظلام، ولا يجدون ما لذ وطاب، في جعبة الزمن دروس وحكم، فوجب أن نعلم الجيل القادم معنى أن يحمد الله ليلاً ونهاراً، على كل شيء، وأن تكون المصائب دروساً حتى ندرك كيف أن الله لم يحرمنا، تفكروا في كلمة «الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddpmpbt

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"