سوء فهم العلاقة بالتراث

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هي مساوئ النظرة العاطفية أو الانفعالية إلى التراث؟ أسوأ السلبيات ألّا يستطيع الإنسان تقدير القيمة الحقيقية للنصوص. تماماً مثل القاضي الذي يُصدر الحكم قبل النظر في القضية. لكن الكاريكاتور أن يرى المرء المعادن النفيسة زهيدةً، أو الحصى حجارةً كريمة. لهذه الخُدع العقلية ألوان في تاريخنا، وإلّا فما معنى أن يُرمى أبو العلاء بالزندقة، وأن تُحرق كتب ابن رشد، وأن يوصم بأشنع الوصف والوصم محي الدين بن عربي؟ هل لدينا قمم في هذه الميادين فوق هذه الذرى؟ هم على التوالي أكبر أديب وأكبر فيلسوف متفقّه وأكبر متصوف.

هل نحن في حاجة إلى تنمية المصارحة الذاتية في عقولنا؟ كيف ألقى ماضينا بكنوز ثقافية لا نظير لها إلى حيث ألقت؟ فكّر ملياً قبل الإجابة: هل لدينا في القرون الماضية مدرسة في حريات الفكر والرأي والتعبير تستطيع حتى أن تحلم بالاقتراب من مدار أعمال المعرّي؟ لك أن تستعرض عناوين مؤلفات المكتبة العربية وأعلامها. ماذا لو نمت أشجار أفكاره وأورقت وبرعمت وأزهرت وأثمرت؟ الغريب أن كتب التجميع والمقتطفات والمنتخبات في المكتبة العربية تفرش السجاجيد الحمراء للألعاب البلاغية في التراث الشعري، من قبيل بيت الوأواء الدمشقي: «وأمطرت لؤلؤاً...»، أكثر ممّا تحفل بالمنارات الفكرية العلائية. لقد نجا المعري من تبعات الاتهام في عقيدته، ولكنهم وضعوا على فلسفته ملصقاً: متشائم. لم يكن أبو العلاء سجين محبسين فقط، فمحبسه الثالث الحصار الذي ضُرب على فكره عبر القرون.

ابن رشد كان عقلاً بحراً محيطاً ومناراً فريداً، وكان إيمانه جليّاً، بأن الشريعة لا يمكن أن تكون منافيةً للعقل، فينبني على ذلك أن الفلسفة لا تناقض الشريعة، فما الذي أصاب المجتمع العربي الإسلامي في الأندلس في القرن الثاني عشر الميلادي، حتى أُحرقت كتبه، والحمد لله على أنه أفلت من مصير جان دارك؟ بعد قرن ونيف على رحيله، هامت أوروبا بأفكاره النيّرة، وظل العالم العربي بلا فلاسفة إلى يومنا هذا.

أمّا الشيخ ابن عربي، فلم يشفع له تفسيره للقرآن الكريم و«الفتوحات المكيّة» من نعته بأنكر الأوصاف، لكن يحزّ في النفس أن نرى مكانة العارف الصيني لاو تسو في أمّته الصينية، ويُحزن الثقافة العربية النقيّة أن ترى كيف يتدفق الناس على قونية في تركيا على مدار السنة من كل أرجاء الدنيا، لزيارة ضريح جلال الدين الرومي، الذي صار مصدراً اقتصاديّاً لتركيا له وزنه.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإيقاظية: أمَا لهذا الليل الثقافي من آخر؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfs3y7m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"