العلاقة بين الدولة والمجتمع

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

لعل من أهم المقاربات التي تفسر لنا التطورات السياسية والتفاعلات بكل أشكالها، وظاهرة الانقلابات العسكرية، وحالات الاستقرار أوعدم الاستقرار السياسي، وانتشار ظاهرة العنف السياسي، هي مقاربة العلاقة بين الدولة والمجتمع. هذه العلاقة هي التي تفسر لنا تعدد أشكال وتباين أنظمة الحكم. فالحكم ركيزته الدولة التي تقوم على عناصر ثلاثة هي: الإقليم وهو حدود الحكم، والسلطة والشعب الذي تمارس عليه السلطة، والسيادة التي تشكل الإرادة العليا، وهي أساس السلطة، ومنها تستمد وجودها.   

  وعليه، فالحكم تفاعُل بين المجتمع والدولة، وبقدر قوة المجتمع وتماسكه بقدر ما يتم الحد من تغوّل السلطة. فالمجتمع يمثل الجانب اللاسلطوي للسلطة، فيما الحكم والدولة يمثلان الجانب السلطوي. والسلطة في أوسع معانيها تعني القدرة على التأثير في الآخرين، وإلزامهم بما تقرره السلطة، من قرارات وقوانين وسياسات. وتلجأ الدولة لتحقيق ذلك من خلال امتلاكها كل عناصر القوة الصلبة، من قوة عسكرية أمنية وقوة اقتصادية، إضافة إلى تحكّمها في القوة الناعمة التي هي من أبرز سمات قوة المجتمع.   

  والعلاقة بينهما تأخذ أكثر من شكل.الأول يمثل في تغوّل المجتمع، كما في أنظمة الحكم الماركسية الشيوعية، والثاني تغوّل الدولة على المجتمع، كما في الكثير من أنظمة الحكم في دول العالم الثالث. والثالث، التوازن في العلاقة الذي تمثله أنظمة الحكم الديمقراطية والرشيدة.

  وهنا يثار العديد من التساؤلات عن شرعية السلطة ونشأتها وفرض طاعتها، وتأثيرها في شكل المجتمع وفاعليته. وفي هذا السياق، تبرز المدرسة السلوكية، فالسلوك هو أساس التغيير، وهو من يحدد العلاقة ويتحكم في مساراتها. فالتغيير يعني حرية الفاعلين في ممارسة حقوقهم. وهناك من يرى أن المجتمع سابق على الدولة، وهو من يفرض شكل الحكم، فالمجتمع المتعدد إثنياً ومذهبياً، مع وجود أقليات يفرض، وجود شكل الحكم الفيدرالي، على العكس من المجتمع المتجانس الذي يفرض مركزية السلطة.

   والسلطة تحكم سيطرتها من خلال سيطرتها على وسائل القسر والإجبار. وحيث ان العلاقة بينهما علاقة عضوية تكاملية، فالأساس في العلاقة هو كبح جماح السلطة. ويبقى شكل التوازن هو الذي يحقق الاستقرار والتنمية، وأساسه المواطنة الواحدة، ومقاربة الحقوق المتساوية. وتتوقف العلاقة هنا على مجموعة من المحددات على مستوى المجتمع والدولة. ففي المجتمع تبرز عوامل التناسق المجتمعي، والحقوق، ومستوى التعليم، والفقر، والبطالة، وقوة الثقافة المدنية ومؤسسات المجتمع المدني، والقوة الناعمة المتاحة، والتعددية السياسية، وهي كلها عوامل ومحددات تزيد من فاعلية المجتمع. وعلى مستوى الدولة تبرز قوة المؤسسات السياسية ومنظومة القوانين والعلاقة بين العسكر والسلطة، ومدنية الحكم والالتزام بالشرعية السياسية القائمة.   

   وكما نرى الآن في محاولة الحكومة الإسرائيلية إجراء تعديلات قضائية بهدف زيادة تغوّل السلطة التنفيذية، وتراجع السلطة القضائية. ما يفسر لنا الاحتجاجات الشعبية، وتعرّض النظام كله لخطر البقاء. كما يفسر لنا أيضاً ظاهرة الانقلابات العسكرية في بعض الدول الإفريقية، وظاهرة الحروب الداخلية في العديد من الدول العربية، مثل ليبيا  وسوريا والسودان.

  لعل الإشكالية التي تحتاج منا للفهم والتحليل أن الدولة هي من تفعل وتخلق عوامل التغيير في المجتمع، إضافة لتأثير العامل الخارجي، وبقدر استجابة الدولة لهذه التغييرات بقدر ما يتحقق التوازن من خلال توسيع دائرة المشاركة السياسية والتمكين  لكل الشرائح، بما فيها المرأة، وتداول السلطة، وتحييد دور الجيش في الحياة السياسية، وتأصيل ظاهرة المؤسساتية السياسية، وتقليص ظاهرة الفردانية الشخصانية في الحكم.

  ويبقى هناك عامل آخر لا يمكن تجاهل تأثيره، هو تأثير البيئة الخارجية، وهنا بقدر قوة العلاقة بين الدولة والمجتمع بقدر ما يمكن تحييد التأثيرات السلبية لهذا العامل الذي يفسر لنا الكثير من التطورات في عالمنا العربي. وهنا تكمن أهمية الحفاظ على الدولة لارتباطها بالقانون وحفظ المجتمع واستقراره، والحفاظ على فاعليته، بما يمنح الشرعية والقوة للدولة. وهذه هي الحلقة المفقودة في السياسة العربية، وهي المقاربة المطلوبة لتحقيق الحكم الديمقراطي الرشيد، ومجتمع المواطنة الواحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yu9wbvvk

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"