كوميديا تعدّدية الرؤوس

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

ألا يبدو لك أن دولاً عربية فهمت التعدّدية بالمعكوس، تصوّرتها تعدّدية الرؤوس؟ معاذ الله أن يكون القصد تدخّلاً في شؤون دول ذات سيادة. إلاّ إذا كانت السيادة تعني سيادة الأيدي الخفيّة الظاهرة، المجهولة المعلومة، من أطراف داخلية تتصارع على تقاسم الغنائم، وجهات إرهابية خارجية متغلغلة كالفيروسات تضرب المناعة. مشاهد تراجيكوميدية غريبة، لا يصدّقها عقل، ولكنها، في عيون العالم، شئنا أم أبينا، ملصقٌ مرتبطٌ في الأذهان بالعالم العربي. أمّا إذا قال كل بلد عربي: «كل طائر معلّق من عرقوبه»، أو «كل شاة معلقة من كراعها»، فتلك مسألة أخرى، فحينئذ لماذا نحمل همّاً مشتركاً؟ عندها تختلف الصورة وعلى الشعراء أن يسحبوا كلامهم، فلا «بلاد العرب أوطاني»، ولا «كلّنا في الهمّ شرقُ».

معيب للعقل العربي إذا هو نظر إلى واقع تلك البلدان بمنظار سياسي، ورآه أداء سياسيّاً يقتضي احترام خصوصيته كسلوك رشيد صادر عن سيادة نظام في وطنه. إذا كانت الدول العربية منتظمة في سلك عالم عربي، تمثّله منظمة عربية، فمعنى هذا أن تكون للدولة العضو خصائص، حدُّها الأدنى أن تكون دولة، أي تراباً وطنيّاً يعيش عليه شعب ذو سيادة. معذرة، فذكر الأسماء فيه مرارات، ولكن، ما هذه البانوراما من التناقضات الواقعية التي يعجز أيّ خيال كاريكاتوري عن توصيفها؟ دولة لا تستطيع حتى في سنة، أن تنتخب رئيساً، لأن رؤوساً متعددة تتجاذبها، وعملتها متردّية مئة مرّة عمّا كانت عليه قبل سنوات. أين النظام وأين السيادة وأين الدولة؟ ودولة قرّر كلا طرفيْها المتقاتلين ألاّ يسكت السلاح إلاّ إذا قضى على الآخر، والشعب مشرّد لاجئ إلى حضن مئة أمّ قشعم. أين النظام وأين السيادة وأين الدولة؟ ودولة عانت ثلاثة وأربعين عاماً أساطير الشطحات السياسية، التي ألقت في مهبّ الرياح أكثر من تريليون دولار من عائدات النفط في تلك العقود، وكان منها للتنمية الفتات والقشور، فلمّا لعبت الأغراض الخارجية البولو بالنظام، تكسّرت النصال على النصال في داحس وغبراء بين المتصارعين على الغنائم، وللأسف كرّت أعاصير الطبيعة ففجّرت طوفاناً بلا نوح ولا جوديّ. العجيب أن السدّين يعودان إلى 1950. بلغ ارتفاع الأمواج سبعة أمتار، فصارت البنايات كأنها علب كبريت فارغة، والسيارات على السطوح. أين النظام وأين السيادة وأين الدولة؟

كوميديا تعدّد الرؤوس غريبة، لأن إدراك ما ينجم عنها لا يحتاج إلى عبقريات سياسية، ففي ميراثنا إلهام كثير، من القمّة القرآنية، عن السماوات والأرض: «لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ الله لفسدتا» (الأنبياء 22)، إلى الأمثال: «كثرة الطباخين تفسد الطبخة» و«كثرة الملّاحين تغرق السفينة».

لزوم ما يلزم: النتيجة اللغزيّة: أيّ منطقة من العالم أمست فيها المعايير السياسية كوميديا؟ غير أنها مضحكات مبكيات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/49f9cs56

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"