حرب أوكرانيا والأفواه الجائعة

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى مدينة سوتشي الروسية واجتماعه بالرئيس بوتين، لبحث إحياء اتفاقية الحبوب، فشلت في تحقيق المطلوب، بما أن بوتين رفض عودة موسكو للاتفاق الذي يضمن أمن البواخر المحملة بالحبوب التي تخرج من الموانئ الأوكرانية، ما لم يرفع الغرب العقوبات عن بلاده.

 الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد على ضرورة مواصلة العمل باتفاقية شحن الحبوب عبر البحر الأسود، ومعالجة ما يشوبها من نواقص. وأضاف أنه من الضروري إيجاد حُزمة جديدة للاتفاق عليها مع الجانب الروسي والأمم المتحدة، مشيراً إلى أن المقترحات البديلة المطروحة لمبادرة الحبوب، لم تقدم نموذجاً مستداماً وآمناً. غير أن الرئيس الروسي ردّ بطريقة واضحة عندما قال «لقد خدعنا الغرب، بشأن الأهداف الإنسانية من خلال مبادرة البحر الأسود الإنسانية لمساعدة البلدان النامية». وقال بوتين إنه أبلغ أردوغان أن روسيا «ستكون مستعدة للنظر في إحياء اتفاق الحبوب» وتحدث عن توريد الحبوب الروسية مجاناً للعديد من الدول الإفريقية. وأضاف: «سنفعل ذلك بمجرد التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقيات المتعلقة برفع القيود المفروضة على تصدير المنتجات الزراعية الروسية». وتعتبر روسيا انسحابها من الاتفاق يعود إلى أنّ الضمانات التي وُعدت بها بشأن صادراتها الزراعية والأسمدة لم يتم الوفاء بها من الأطراف الغربية التي استفادت فقط من فتح الأبواب أمام صادرات الحبوب الأوكرانية. وقال بوتين: كما نعلم، تم التوصل إلى اتفاق من خلال وساطة الرئيس التركي، وتم الاتفاق على مسودات الوثائق بين الوفدين الروسي والأوكراني، ولكن بعد ذلك أرسلتها أوكرانيا إلى كومة الخردة!

 عدم التوصل إلى اتفاق، سيعني استمرار التذبذب في أسعار الحبوب ومشتقاتها في الأسواق العالمية وتفاقم الأزمات الغذائية في الدول الفقيرة ومحدودة الدخل، خاصة مع توقعات صندوق النقد الدولي بأن أسعار الحبوب ستشهد ارتفاعاً في المستقبل. وقال الصندوق في بيان بعد إعلان روسيا انسحابها من الاتفاقية إن وقف المبادرة يؤثر على إمدادات الغذاء للدول التي تعتمد بشكل كبير على الشحنات من أوكرانيا، لا سيما في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.. إنه يضعف آفاق الأمن الغذائي ويخاطر بزيادة تضخم أسعار الغذاء العالمية خاصة بالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل. 

 وتشير الإحصاءات إلى أن صادرات أوكرانيا من الحبوب بلغت نحو 40 مليون طن في هذا العام، منها 33 مليون طن تم تصديرها ضمن اتفاقية الحبوب مع روسيا والأمم المتحدة، وهذا يعني أنّ عدم التوصل إلى اتفاق جديد، سيدخل اضطراباً في الأسواق، وذلك بالرغم من تعهد الرئيس الروسي بأن انسحاب روسيا لم يؤثر إلى حد الآن على سلاسل التوريد بما أن روسيا لم تهدد أمن البواخر العابرة للبحر الأسود، ولم تغلق الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود التي تسيطر عليها روسيا، وهو ما يعطي ضمانة إلى حد الآن باستمرار تزويد الأسواق العالمية بذات النسق قبل انسحاب روسيا، ولكن ما الذي يضمن ذلك خاصة إذا ما أعادت أوكرانيا قصف القوافل الروسية في البحر الأسود؟ وكيف ستكون ردة فعل بوتين في ذلك الوقت؟

 لعبة السلاح الأخضر ستكون ورقة روسيا القوية في معركتها مع الغرب، فالرئيس بوتين تعهد بضمان تزويد الدول الإفريقية بنحو مليون طن من الحبوب موجهة أساساً إلى الدول الإفريقية الأكثر فقراً أو إلى الدول الحليفة لموسكو وذلك بصفة مجانية، وهذا يعني تحييد القارة السمراء من حروب الغذاء مع الغرب، ولكن ذلك الأمر ليس كافياً لأن حاجيات إفريقيا أكبر بكثير من الحصة التي تخصصها روسيا، وإذا ما تواصلت هذه الأزمة فإن دولاً صديقة لروسيا ستجد نفسها أمام أزمة غذائية لأنها تعتمد بصفة كبرى على الحبوب الأوكرانية.

 بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي سعت من خلاله كييف والغرب إلى دحر روسيا إلى خارج الحدود الأوكرانية، هل يستمر الغرب في تأييد خيار الحرب ورفض التطبيع مع بوتين ورفض رفع العقوبات عن موسكو، أم أنّ لا خيار الآن سوى العودة إلى طاولة التفاوض لإنهاء هذه الحرب التي أرهقت جميع الدول؟ الروس يبدو أنهم منفتحون على أي مفاوضات جدية، ويقدمون ضمانات بعدم المساس بالغذاء العالمي كبادرة حسن نوايا، ولكن هل يتخلى الغرب عن كبريائه وعناده؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4reajnzn

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"