ساحة الفنا

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

كل من زار مدينة مراكش المغربية أو قرأ عنها يعرف اسم «ساحة الفنا»، المَعْلَم التاريخي الشهير في المدينة، أحد أشهر المباني التاريخية المدرجة ضمن التراث العالمي ل«اليونسكو»، وكانت من المعالم الأثرية التي تضررت من الزلزال المدمر الأخير، حيث طالت الأضرار جامعها، فأصاب مئذنته تدمير شبه كامل.
توصف «ساحة الفنا» بأنها فضاء شعبي للفرجة والترفيه لسكان مراكش والسيّاح الكُثر الدائمي التردد عليها من كل أنحاء العالم، لسماع ما يقدّم فيها من حكايات شائقة لرواة القصص والأحاجي، ومشاهدة عروض مُروّضي الأفاعي، والاستمتاع بعزف الموسيقيين وغناء المغنيين الشعبيين، فهي تشكّل خزاناً للثقافة الشفهية المغربية المتوارثة، وتزدهر فيها مهن تقليدية مثل نقش الحناء وتقديم المأكولات التقليدية، وهذا يفسر حرص «اليونسكو» على إدراجها في قائمة التراث اللامادي الإنساني. ويُشار إلى أن للكاتب الإسباني خوان غويتيسولو، الذي آثر الاستقرار بمراكش منذ سبعينات القرن الماضي دوراً مهماً «في حشد الدعم لانتزاع هذا الاعتراف الدولي الأممي لحماية الفضاء ودعم استمرارية أنشطته»، وهو القائل إن الساحة «لا نظير لها عبر العالم».
ويعود تاريخ الساحة، كمركز للتسوق، إلى بدايات تأسيس مراكش المدينة عند قيام دولة «المرابطين»، لكن بعض المؤرخين يربط اسم «الفنا» بفِناء المسجد الأعظم الذي بناه السعديون قبل ذلك، فيما يعزو آخرون التسمية إلى عمليات الإعدام التي كانت تنفذ بعد الحكم على المجرمين أمام العامة، فقيل «ساحة الفناء»، أي ساحة الإعدام. وتشير المعلومات، كذلك، إلى أن الملوك والسلاطين استخدموها كفناء لاستعراض جيوشهم، قبيل انطلاق معارك توحيد المدن والبلاد المجاورة وحروب الاستقلال.
صُنفت «ساحة الفنا» بأنها ثاني أفضل عشر ساحات عالمية، كما أنها تحولت إلى فضاء لتصوير العديد من الأفلام السينمائية، بما في ذلك العربية. وليس السكان والسياح وحدهم من أغرم بهذه الساحة، فهي أيضاً شكّلت مادة خصبة للكُتّاب والأدباء والرسامين والسينمائيين من مختلف بلدان العالم، ومنهم الكاتب الألماني إلياس كانيتي الذي استوحى منها موضوع روايته «أصوات مراكش»، وجعل من الساحة فضاء مكانياً لها زاخراً بالحياة، وحول ذلك نقرأ هذا المقطع المنشور على أحد المواقع: «نجد كانيتي، الذي زار المغرب مراراً، يجلس جنب الساحة وفي عمق حركتها، وهو يحتسي كأس الشاي بالنعناع، مندهشاً من حركة البشر في المساءات، عندما تتحول الساحة إلى مكان ينغل بالأصوات، والروائح، والوجوه، والتعابير، والتهويمات».
خوان غويتيسولو الذي أتينا على ذكره أعلاه كان يقيم ستة أشهر متتالية من كل سنة في مراكش، مأخوذاً بأجوائها الساحرة، واختار العيش في قلب المدينة العتيقة بالقرب من «الفنا»، ومن مقهاه المفضل «كان يرقب الناس ويتعرف إلى المغاربة وعاداتهم».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xxtcj6v

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"