كيف رأى تولستوي فاغنر؟

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

قد تبدو مفارقة أن الميليشيا التي أسسها وقادها يفغيني بريغوجين، والتي قاتل أفرادها في مناطق مختلفة من العالم كمرتزقة، تحمل اسماً أبعد ما يكون عن الحروب والأسلحة، هو اسم الموسيقي الألماني ريتشارد فاغنر (1813- 1883). في السنوات الأخيرة سطع اسم «فاغنر» الميليشيا، فحين يرد الاسم في الأنباء، لا تنصرف الأنظار نحو الموسيقي الألماني وإنما نحو «فاغنر» يفغيني بريغوجين وصحبه.

مصير مجموعة «فاغنر» أصبح غامضاً، لكن يمكن القول إن صفحة بريغوجين قد طويت إثر مقتله في تفجير طائرته الخاصة في موسكو، بعد مرور أسابيع فقط على تمرده على قيادة الجيش الروسي الذي قاتلت ميليشياته إلى جانبه في حرب أوكرانيا، خاصة على جبهة باخموت التي استطاعت انتزاعها من الأوكرانيين بعد معارك دامية وخسائر بشرية كبيرة.

أطلقت مجموعة بريغوجين على نفسها اسم «فاغنر» من قبل أحد أبرز وجوهها، ألا وهو ديمتري أواتكين الذي مات، هو الآخر، في انفجار طائرة بريغوجين، حيث كان وآخرون من قادة المجموعة عليها، وكان أواتكين معروفاً، على الأقل في بداياته، بميوله النازية وإعجابه بالرايخ الثالث وهتلر، حيث ظهرت صور له مع وشم النسر النازي، ما حبّبه في فاغنر وموسيقاه، إذ كان الأخير موضع إعجاب هتلر؛ لأنه رأى في موسيقاه أفضل تعبير عن القومية الألمانية. ويشار إلى أن الفيلسوف نيتشه أيضاً كان مأخوذاً في مرحلة ما بفاغنر، لكنه غيّر رأيه فيه لاحقاً.

يُعدّ الأديب الروسي ليو تولستوي (1828- 1910) من أشدّ نقاد موسيقى فاغنر، وعن ذلك كتب ما يشبه الدراسة في كتابه «ما هو الفن»، وقد تعزز هذا الرأي الناقد بعد حضور تولستوي عرضاً لفاغنر أقيم في موسكو، حيث أشار إلى أن هناك من يقول «لا يجوز الحكم على أعمال فاغنر دون حضورها»، ولتفادي هذا المحذور حرص تولستوي على أن يكون بين الحاضرين، حيث وجد المسرح غاصاً بالناس من أوله إلى آخره، وكان الحضور من الأمراء ونخبة من الأرستقراطيين والتّجار والعلماء والفئات الوسطى من الموظفين.

وبعد أن عرض بالتفصيل لمضمون العمل الذي شاهده، خلص تولستوي إلى أن كل شيء فيه مقلد: «الديكور وكذلك الثياب. إن كل شيء قد صنع حسب المعطيات الأثرية مثلما كان يصنع في القديم، وحتى الأصوات مقلدة»، مبدياً دهشته من انبهار الحضور بما يشاهدون الذي لا يعدو، بالنسبة له: «النتاج الغبي، السمج، المزيف الذي لا يملك أي قاسم مشترك مع الفن يجوب العالم بفضل مهارة التزوير تحت اسم الفن، ويُعرض ملايين المرات ويفسد أكثر فأكثر أذواق الناس ومفاهيمهم حول الفن».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/555r3ftp

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"