أوروبا و«مقبرة المتوسط»

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

لا يكاد يمر يوم إلا ويتعرض أحد قوارب المهاجرين للغرق في البحر الأبيض المتوسط الذي تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى مقبرة لآلاف المهاجرين الذين يحاولون العبور من ضفافه الجنوبية باتجاه الشمال، بحثاً عن الأمن والعمل والأمل، لكنهم غرقوا مع آمالهم التي كانوا يحلمون بها، وتحوّل البحر الأبيض المتوسط إلى «مقبرة تدفن فيها الكرامة الإنسانية»، حسب قول البابا فرنسيس.

تقول منظمة الأمم المتحدة للهجرة، إن الربع الأول من العام الحالي، سجل وحده غرق 441 شخصاً، فيما غرق أكثر من 20 ألف شخص منذ عام 2014.

هؤلاء غرقوا وتحولوا إلى مجرد أرقام في السجل الإنساني، أما الذي قدر لهم الوصول إلى بر الأمان في الدول الأوروبية، ويصل عددهم إلى الملايين فإنهم يواجهون في بعض الدول الأوروبية أبشع أشكال الاضطهاد والعنصرية، ويتعرضون لشتى أشكال العنف والطرد وتجارة الجنس، أو في «معسكرات اعتقال» بانتظار تقرير مصيرهم، كما حصل في بريطانيا والمجر وغيرهما.

ومع تصاعد الخطاب اليميني الأوروبي ضد اللاجئين، والخلاف القائم بين دول الاتحاد حول تقاسم أعباء اللجوء، فإن مأساة اللاجئين تتزايد، من دون التوصل إلى حلول إنسانية تحفظ كرامة هؤلاء من جهة، والتوصل إلى حل مقبول يحّد من الهجرة، بالتوصل إلى اتفاقات مع دول المصدر ومع دول العبور، وذلك من خلال وضع آلية سياسية ومالية واقتصادية وتنموية، يمكن أن تشكل شبكة أمان، تضع حداً لشبكات التهريب غير المشروعة للبشر، وتساعد هذه الدول على القيام بواجباتها في مواجهة التهريب.

في شهر يونيو/حزيران الماضي توصلت الدول الأوروبية إلى اتفاق حول تقاسم مسؤولية ورعاية اللاجئين، يقضي بوجوب تقاسم أعباء اللاجئين الجدد، على أن تدفع الدول الرافضة للمشاركة بهذه الآلية 20 ألف يورو عن كل مهاجر للدولة التي يوجد فيها. لكن هذا الاتفاق لم يحظ بالإجماع، إذ صوتت بولندا والمجر ضده، فيما امتنعت بلغاريا ومالطا وليتوانيا وسلوفاكيا عن التصويت، وهذا يعني أن الاتفاق سوف يوضع على الرف، فيما الأزمة تراوح مكانها، مع ارتفاع معدلات طلبات اللجوء بنسبة 41 في المئة، منذ مطلع العام الحالي، حسب تقديرات الأمم المتحدة، فيما تصاعدت وتيرة الخطابات السياسية المناهضة للهجرة في أوروبا مثل ترداد تعابير «تسونامي المهاجرين»، و«موجات مد المهاجرين»، و«غزو المهاجرين».

وكان من بين مواقف صدرت عن وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان التي تحدثت عن «غزو المهاجرين لأراضينا» ودعوتها إلى إلغاء اتفاقية الأمم المتحدة حول تعريف «اللاجئ» التي صدرت عام 1951، واعتبرتها «غير صالحة». ويعرّف اللاجئ وفق هذه الاتفاقية «أنه كل شخص يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد، لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة، أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك».

وهكذا فإن أوروبا المنكوبة بعنصريتها، تتقاسم غرق اللاجئين مع المتوسط، في أسوأ تعبير عن مشكلة حضارية وإنسانية وأخلاقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y8us2heu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"