أرمينيا تتجه غرباً!

01:09 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

لطالما شكلت منطقة البلقان نقطة صراع في المنطقة باعتبارها عقدة مفصلية بين أوروبا وآسيا، إضافة إلى كونها منطقة استراتيجية من ناحية موقعها وثرواتها، وتركيبتها الإثنية والدينية المعقدة. لكنها ظلت منذ مطالع القرن العشرين وتحديداً بعد الثورة البلشفية تشكل مجالاً حيوياً للاتحاد السوفييتي وجزءاً منه، حتى بعد تفككه عام 1991. وكانت أرمينيا تحديداً تمثل جزءاً أساسياً من هذا المجال الحيوي.

 ثم جاءت الحروب بين أرمينيا وأذربيجان والتي كان آخرها عام 2020 التي انتهت بانتصار باكو في إقليم ناغورنو كراباخ، وشعور يريفان بالخذلان من موقف موسكو التي اكتفت بالعمل على وقف إطلاق النار، وإرسال قوات حفظ سلام إلى الإقليم، ليفجر الخلاف بين الطرفين، خصوصاً أن رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان لا يكّن الكثير من الود إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعمد إلى اتخاذ سلسلة من الخطوات للابتعاد عن الكرملين والاقتراب أكثر من واشنطن.

 وإذا كانت المعركة السريعة التي خاضتها أذربيجان قبل أيام في إقليم كراباخ نجحت في إخضاعه لسيادتها ثم الإعلان عن تصفيته ودمجه، قد سرعّت في عملية الافتراق بين موسكو ويريفان، إلا أن الأخيرة قامت قبل ذلك بعدة خطوات رمزية باتجاه القطيعة، حيث رفضت استضافة المناورات المشتركة لدول معاهدة الأمن الجماعي على أراضيها في مطلع العام الحالي «لأن موسكو لم تضطلع بدورها كضامن لأمن أرمينيا» حسب باشينيان. ثم جاءت المناورات الأخيرة بين أرمينيا والولايات المتحدة (إيغل بارتنر2023 ) لتصب الزيت على نار الخلافات، إذ أعرب الكرملين عن أسفه لإجرائها.

 وفي تصريح متلفز لباشينيان يشير إلى التباعد المتزايد عن موسكو جاء فيه «أن بلاده لم تتخل يوماً عن التزاماتها ولم تخن حلفاءها، لكن الوضع الراهن أظهر أن الأنظمة الأمنية والحلفاء الذين نعتمد عليهم منذ فترة طويلة حددوا لأنفسهم مهمة إظهار ضعفنا»، وتحدث عن «تحالفات غير مجدية»، الأمر الذي أثار حفيظة موسكو التي ردت بعنف عبر بيان لوزارة الخارجية جاء فيه إن يريفان «ترتكب خطأ فادحاً بمحاولتها المتعمدة تدمير العلاقات مع موسكو، وجعل البلاد رهينة للألعاب الجيوسياسية الغربية». وحمّل البيان رئيس وزراء أرمينيا «مسؤولية الإخفاقات السياسية الداخلية والخارجية وإلقاء اللوم على موسكو»، فيما نصح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف القيادة الأرمنية «بتذكر المصير الذي لا تحسد عليه الدول التي اعتمدت على الولايات المتحدة بالإنطواء تحت جناحها». وأكد لافروف أنه «لا يمكن تجاهل مصالح روسيا في جنوب القوقاز من الناحية الجيوسياسية».

 العلاقات بين روسيا وأرمينيا تأخذ منعطفاً جديداً يأخذ يريفان بعيداً عن المجال الروسي الحيوي بما يهدد مصالح الكرملين ودوره التاريخي في المنطقة. لكن من الواضح أن أرمينيا بما تمثله من موقع وعلاقات متوارثة مع موسكو لا تستطيع إعلان الطلاق معها، ولعل التظاهرات الشعبية الواسعة في يريفان ضد رئيس الوزراء وتحميله مسؤولية الفشل في المواجهة مع أذربيجان تحمل مؤشرات مناهضة لموقفه من موسكو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4w4rb2y2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"