صحوة لإنقاذ المهاجرين

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

عندما تعلن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من 2500 مهاجر غير شرعي قد لقوا حتفهم في البحر الأبيض المتوسط خلال الشهور التسعة الأولى من هذا العام، فإن عدد الضحايا سيكون مرتفعاً إلى نهاية السنة، مع الأنباء شبه اليومية عن غرق العشرات دون اعتبار من تزهق أرواحهم على الأرض جوعاً وعطشاً وباعتداءات العصابات وشبكات الاتجار بالبشر.

الحجم الهائل لعدد الضحايا سنوياً في «المتوسط» يفوق أي حصيلة كارثة طبيعية كانت كالفيضانات والزلازل أو بشرية مثل الحروب والنزاعات، دون اعتبار من يلقون المصير نفسه في بحار جنوب شرقي آسيا وغربي إفريقيا أو على الحدود الأمريكية المكسيكية وفي الداخل الأوروبي. ولا شك أن الحصيلة الإجمالية العالمية ستكون بالآلاف وتشكل فاجعة إنسانية لا يتوقف عدادها عند إحصاء القتلى وأغلبهم أسر بأكملها. ومازالت قوارب الموت تجوب البحار حاملة ضحايا آخرين. 

وبعد يومين من إعلان الحصيلة المفزعة، تم إنقاذ عشرات المهاجرين من حريق بمركب قبالة السواحل الإيطالية. وشهد هذا العام واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في البحر المتوسط عندما غرقت سفينة صيد مكتظة بالمهاجرين قبالة سواحل اليونان، ما أدى إلى هلاك المئات منهم. ونادراً ما تحرك هذه الحوادث المأساوية الضمير الإنساني، وربما مع تكرارها والتعود على سماعها يبدو الرأي العام العالمي غير مبال، ولا تثيره مشاهد القوارب المشحونة بالبشر أو بجثث الضحايا التي تطفو من حين إلى آخر على السواحل.

أغلب الحكومات، والغربية منها على الخصوص، تتعامل مع ظاهرة المهاجرين كمشكلة سياسية، وليس كمحنة إنسانية تزهق فيها الأرواح سنوياً، ومن يتابع السجال الدائر بين الدول الأوروبية حول القوانين الزجرية للتصدي للموجات البشرية عبر البحار، تصيبه الصدمة من التناول السياسي والإعلامي لهذه الظاهرة المؤلمة، وتحولت هذه الكتل البشرية، التي تقطعت بها السبل، إلى ورقة ضغط تمارسها هذه الدولة على تلك، أو هذا الزعيم ضد خصمه في السباقات الانتخابية. كما أصبحت مادة للتراشق على وسائط التواصل، كما حدث بين الحكومة الألمانية والملياردير الأمريكي المثير للجدل، مؤسس منصة «إكس»، إيلون ماسك. كما يدخل هذا الملف بقوة في المعركة الرئاسية الأمريكية، في وقت تشهد فيه الحدود مع المكسيك فظاعات بحق عشرات آلاف المهاجرين، أغلبهم مستضعفون من نساء وأطفال، يتم احتجازهم في مراكز تعج بالممارسات الخاطئة، وفق الأمم المتحدة.

إنقاذ المهاجرين من الموت والانتهاكات الجسيمة يتطلب صحوة ضمير عالمية، وتعاملاً إنسانياً أكثر رأفة ومروءة، مع اليقين بأن هذه المحنة المستمرة تحتاج الى عمل دولي جماعي تتضافر فيه الجهود لوضع حلول تحد من التدفقات البشرية عبر البحار والمنافذ البرية غير الشرعية. ورغم أن هذا النهج شاق ويستدعي إمكانيات كبيرة من مختلف الأطراف، إلا أنه ضروري لوقف النزيف البشري وتطويق تداعياته، فكل المؤشرات تؤكد أن الظاهرة تتسع وتأخذ أبعاداً خطيرة، في ضوء ما يشهده العالم من أزمات واختلال في التوازنات الاقتصادية والاجتماعية. 

المهاجرون غير الشرعيين بشر، وعلى هذا الأساس يجب التعامل معهم إنسانياً وإنقاذ من تقطعت بهم السبل، حتى لا يلحق العار بالإنسانية، وحتى لا يكون الموت في قارب للمهاجرين أرخص من الموت في كارثة أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckj6hf5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"