بايدن وترامب وذكرى لنكولن

00:49 صباحا
قراءة 3 دقائق

مفتاح شعيب

تتجه الولايات المتحدة إلى سباق رئاسي حاد الاستقطاب، وحملة انتخابية شرسة بين عتاة الديمقراطيين، والمتشددين في الحزب الجمهوري. وإذا لم تشهد الحملة الانتخابية أي مفاجآت، ستكون المواجهة بين الرئيس الحالي جو بايدن، والمرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب، شديدة الخطورة، وستتفاعل على أكثر من صعيد داخلياً. وقد تفضي خطاباتها الدعائية غير المألوفة إلى حالات من العنف والفوضى.

  دونالد ترامب، الذي يغرد بعيداً عن السياقات التقليدية، ويتقدم بفارق كبير في استطلاعات الرأي، لا يفوّت فرصة إلا ويهاجم فيها إدارة البيت الأبيض، وزعيمها بايدن، والمؤسسات الفيدرالية، وحكام بعض الولايات، ومرشحين جمهوريين، وحلفاء واشنطن وخصومها، ودعم أوكرانيا في مواجهة روسيا والصين والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهو بذلك يشن حرباً على الجميع، ويهدد بكسر كل قواعد السياسة الأمريكية المعروفة. وفي المقابل لا يجد بايدن، الذي لا يبدو وافر الحظ، غير التحذير من ترامب وشروره ونزعات الإضرار بتماسك الولايات المتحدة، وتهديد مصالحها عبر العالم. 

   وفي خطاب ألقاه في ولاية أريزونا، قبل أيام، حذّر بايدن، بلغة شديدة اللهجة، من خطر «الأجندة المتطرفة» لترامب، وقال إنها «ستقوض ديمقراطيتنا بشكل كامل»، وحث في الوقت نفسه على ضرورة التصدي لها، وعدم السماح لها بالمرور. ورغم أن الرئيس الديمقراطي لا يبدو لاذعاً في انتقاد خصمه، إلا أن موقفه يعبّر عن رأي قطاع واسع في مؤسسات الدولة الأمريكية، لا سيما في وزارتي الخارجية والدفاع، اللتين عانتا كثيراً من قرارات ترامب، ومزاجه، عندما تولى عهدته الأولى بين عامي 2017 و2021، وغادر البيت الأبيض من دون أن يحضر آنذاك مراسم تسليم خلفه بايدن مفاتيح البيت الأبيض.

  يبدو أن الفصل الأخير الذي لم يشهد نهاية سعيدة، يؤسس لفصول أخرى للمعركة بين الرجلين، بل لقطبين عدائيين إلى درجة العنف اللفظي، والمادي أيضاً. ويبدو أن المواجهة المرتقبة العام المقبل قد بدأت مبكراً، وقبل أن يتضح رسمياً، من هم المتنافسون فعلياً في السباق الذي سيكون محمّلاً بالتشويق والإثارة، وأشبه بحرب أهلية غير معلنة بين شقين من الأمريكيين، كل منهما يعلن أنه الأحق في قيادة البلاد، وهو أمر ربما لم تشهده الولايات المتحدة منذ الصراع الذي ذهب ضحيته الرئيس الأسبق أبراهام لينكولن، قبل أكثر من 150 عاماً، وهو يشاهد مسرحية في واشنطن. وهذا السيناريو القديم كاد أن يتكرر، عندما اقتحم متشددون مبنى الكونغرس في السابع من يناير/ كانون الثاني 2021.

    ما يجري داخل الولايات المتحدة يحتاج إلى كثير من البحث والتأمل، مع ربطه بالسياقات الدولية التي تجري بما لا تشتهي السياسات الأمريكية، وأصبحت أكثر تعقيداً وتوتراً مما كانت عليه قبل أربع سنوات. والمعركة المفترضة بين بايدن وترامب ستكون وثيقة الصلة بهذه الأوضاع، وربما تزيد من أتعاب واشنطن مع خصومها الدوليين. ومن هنا إلى عام آخر، ستتسارع التغيّرات ورسم الخرائط عبر العالم، وسواء دخل ترامب أو بقي بايدن في البيت الأبيض عام 2025، فإن الولايات المتحدة لن تكون في كامل لياقتها كدولة عظمى، لأنها ستخرج من معركة انتخابية شرسة تجعلها في وضع أضعف، وتفتح ثغرات كبيرة في جدران ديمقراطيتها التي تتباهى بها منذ قرنين.

 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3k47r4v5

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"