زحف اليمين المتطرف

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

يجوز للمستشار الألماني أولاف شولتس ولنظرائه من الزعماء الأوروبيين أن يقلقوا من الصعود القوي لليمين المتطرف في القارة العجوز، التي تتزاحم عليها التحديات، وباتت في مهب رياح التحولات العالمية الكبرى، وقد لا تحمل لها الأشهر القليلة المقلبة أي أمل في استعادة التوازن الذي اختل في معركة القارة مع جائحة «كورونا»، وتفاقمه الآن الحرب الروسية الأوكرانية، والأزمات المتفجرة في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.

إثر انتخابات جزئية في ولايتي هيسن وبافاريا، حقق حزب «البديل» المتطرف تقدماً كبيراً وحل في النتائج النهائية، على التوالي، ثانياً وثالثاً بعد ائتلاف الحاكم بزعامة شولتس. والخسارة في هذا الاقتراع كانت متوقعة في ظل الضغط الذي تشهده الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ألمانيا والدول الغربية عموماً؛ بسبب الاستنزاف الكبير للموارد والتضخم، إضافة إلى ضبابية الرؤية المستقبلية المشتركة للتكتل الأوروبي. أما إرجاع شولتس وضيفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صعود اليمين المتطرف إلى تدفق المهاجرين والعجز الجماعي عن معالجة الأزمة، فليس دقيقاً، لأن المشاكل الأوروبية أكبر من موضوع الهجرة. ولأن التكتل فقد الكثير من عوامل الرفاه والرخاء، لهذا بدأت النزعة القومية تتصاعد في مختلف الدول، والفكرة الشائعة اليوم لدى الأوساط اليمينية المتطرفة أن بلدانها لا تستطيع تحمل أعباء الآخرين، سواء كانو مهاجرين أم ضمن الاتحاد الأوروبي. ومن يتطلع في أرجاء أوروبا يلاحظ أحزاباً متطرفة تزحف غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، منها أحزاب قومية متعطشة لأمجاد الماضي، وأخرى محافظة متشددة ذات جذور فاشية أو نازية، وأخرى شعبوية تبني أفكارها على كراهية الآخرين، ومن المحبط للبعض أن هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة تحظى الآن بشعبية لا يستهان بها.

من المرجح أن يشهد العامان المقبلان صعوداً إضافياً للأحزاب المتطرفة، ويتوقف ذلك مبدئياً على الانتخابات الرئاسية المقبلة ومآل الحرب الدائرة في أوكرانيا، وإذا صدقت التوقعات باحتمال عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وعدم قدرة الغرب على هزيمة روسيا، فإن أوروبا ستنقلب رأساً على عقب وستتجه جماعياً إلى أقصى اليمين، بما قد يهدد تماسك الاتحاد الأوروبي، والعودة إلى عصر الدول القومية التي كانت قائمة قبل نشوء الاتحاد وقبل الحرب العالمية الثانية. وهذا الاحتمال وارد جداً، في ظل تضارب المصالح واحتدام التنافس بين الأجندات المختلفة. وبعد إيطاليا التي أصبحت بيد ائتلاف يميني بقيادة جورجيا ميلوني، ربما يكون الدور التالي على ألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي، وقد تحمل الانتخابات الفيدرالية لنواب البوندستاغ بعد نحو 20 شهراً من الآن مفاجآت باتجاه اليمين، وليس من شرط المفاجأة أن يتصدر حزب «البديل» مثلاً؛ بل يكفيه أن يحتل مراتب متقدمة ويحوز كتلة وازنة في البرلمان.

لا شيء خارج التوقع في أوروبا، فكل المسارات مفتوحة، والتغيرات، التي بدأت تدب في أوروبا الشرقية ستصيب حتماً الجناح الغربي من القارة؛ وذلك ضمن سياق شامل من التحولات يسود العالم كله. وإضافة إلى الأسباب الداخلية، تلعب العوامل الخارجية دوراً حاسماً في الحراك السياسي، وتصعيد نخب جديدة ترى في نفسها القدرة على مواكبة التطورات والتعبير عن المرحلة المقبلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4jj3tbyn

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"