خوارزميّات تنطق باللغات القديمة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ألم تَرَ بعدُ أن مفهوم الأدب سيتغير؟ الثقافة ومكوناتها هي الأخرى كيمياء، بمعنى أن دخول عنصر جديد على الخط يمكن أن يُغيّر أشياء كثيرة، أو يغير كل شيء. على المثقفين، لكي يدركوا أبعاد مستقبل الثقافة، أن يغيروا طريقة تفكيرهم ورؤيتهم للثقافة، أن ينطلقوا في رسم اسكتشات الاستشراف الثقافي في مقبل السنين والعقود من أن ثورة المعلوماتية والذكاء الاصطناعي والحاسوب الكمّي، لا يجوز اختزالها واختصارها في أنها تَقدّمٌ تكنولوجيٌّ، أو تطورٌ تقنيّ. هذا التحول التاريخي في الحقيقة نموذجٌ فكريٌّ جديدٌ، إطارٌ فكريٌّ لمدنيّة مختلفة ونقلةٌ متباينةٌ غير قابلة للمقارنة بكل أنماط الحضارة البشرية، بالمفهوم الأنثروبولوجي للحضارة، الذي يرى حياة العصر الحجري أيضاً نمطاً لحضارة العصور البدائية.

كأن القلم أخطأ حين حصر الأمر في بوتقة ضيقة، وهي أن مفهوم الأدب سيتغير، كأنما ظل مختزناً في ذهنه مفهوم القدامى للأدب، الذي كان يعني لديهم ما نعنيه اليوم بالثقافة «الأخذ من كل شيء بطرف»، وهو الثقافة العامّة عندنا. لقد صارت للثقافة عصاً سحريةٌ من ابتكار الذكاء الاصطناعي، فقبل بضعة أسابيع انتشر نبأٌ على طريقة الألعاب النارية، مفاده بأن خوارزميات الآلة الذكية استطاعت أن تقرأ بطلاقة ألواحاً سومريةً تعود إلى خمسة آلاف عام، ولم تمضِ مدّةٌ تُذكر حتى انبرى له ذكاء اصطناعي آخر، على طريقة: «قال الذي عنده علم»: ذلك لا شيء.

الموقع العلمي «آي.إف.إل سيانس»، البريطاني، نقل أن قناة يوتيوب «إكواتور أي.آي» أنتجت سلسلة أشرطة فيديو سحرية تشبه الخيال العلمي، فقد جعلت الذكاء الاصطناعي يقرأ نصوصاً لمجموعة من اللغات القديمة، منها اللغة الإنجليزية القديمة، التي لا يستطيع فهمها أعرف الناس بالإنجليزية المعاصرة، لما يربطها من أواصر وثيقة باللغات الجرمانية والإسكندنافية، ومنها اللغة السومرية، التي يظهر أنها لا علاقة لها باللغات الجزيرية، المعروفة بالساميّة، أمّا الأكاديّة فهي أخت العربية.

المصرية القديمة أمرٌ يسير، لأن في مصر عدداً كبيراً من الراسخين في علمها، وهم الأقدر على تشخيص مدى نجاح الذكاء الاصطناعي في المحاكاة. بالمناسبة، من أبدع الكتب في هذا المجال «المرجع في قواعد اللغة القبطية» للمؤلفيْن ملاك ميخائيل، وحبيب الشاروني (504 ص). أمّا اللغتان الصينية القديمة واليابانية القديمة فلا تشبهان الماندارينية الحديثة واليابانية الحالية. طريف أيضاً أن تسمع لغة الفايكينج، وتتخيل كيف كانوا يدكّون البلدان. ذهبوا هم، والبلدان لا تزال تدكّ.

لزوم ما يلزم: النتيجة الأقربيّة: لا يبدو أن المثقفين العرب سيغيّرون مفاهيمهم للثقافة، فالأرجح هو أن الذكاء الاصطناعي سيغيّرها لهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4773kv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"