الأطفال ما عادوا يلعبون

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم

لا يمكنك أن تغضّ الطرف، لا يمكنك أن تبتعد عن الشاشة حين يكون الوجع الإنساني هو الحدث، وهو المشهد، وهو البطل. لا يمكنك أن تشاهد غير تلك الصور والمقاطع الآتية بشكل مباشر من الأرض الموجوعة، صور تفوق كل ما يمكن للدراما والسينما فبركته، مهما وصل بها الأمر من المبالغة بهدف اعتصار قلوب المشاهدين، فالألم الإنساني هناك يخرج من الشاشة ليصيب بسهامه قلبك، وأنت جالس في دارك تتابع أخبار الحرب.

أياً كان موقفك، لا بد أن يهزك المشهد الإنساني، ولا بد أن ترافقك حتى فراشك ومنامك رعشة الأطفال، بعد كل غارة وقصف، يجسّدون المعنى الحقيقي والدقيق لحالة «الرعب» التي نردّدها، وتستنجد بها أقلامنا عادة لاستكمال توصيف حالة نريد التعبير عنها في مقالاتنا ورواياتنا. من عيونهم تلمس كيف يكون الرعب فعلياً، جاحظة متجمدة كالبلّور، تنظر لكنها لا ترى سوى الخوف، ربما ترى أبعد، والأشدّ هولاً مما تراه أنت، ونحن، البدن يرتعش كورقة اقتلعت العاصفة شجرتها من جذورها فوجدت نفسها وحيدة عارية بلا فرع تتمسك به لتطمئن.

كيف سيكون مستقبل هؤلاء الأطفال المذعورين اليوم؟ لا نقصد مستقبلهم التعليمي والتربوي، بل النفسي. هؤلاء الذين أصبحوا وقوداً للحرب، ضحايا، سواء أصيبوا مباشرة بالقذائف، أو لا، فهم مصابون بشظايا العنف والجرائم البشعة التي تصعب مداواتها؛. كيف يكبرون بسلام؟ كيف يحملون في نفوسهم ومخيلاتهم ذكريات طيبة عن طفولة لم يعيشوها، وفرح لم يعرفوه، وسكينة لم تستقر يوماً في قلوبهم؟على الشاشات يحصون أعداد الشهداء والجرحى، وتغيب عنهم إضافة أعداد المصابين نفسياً، المتضرّرين من ويلات الحرب، المشتتين، الذين ذُعروا من صوت القصف، ومشهد الدمار، وفجأة وجدوا أنفسهم أيتاماً. وقود الحروب، من يطمئنهم إلى أن ما يحصل لن يطول، وأنهم ليسوا هدفاً لانتقامٍ ما، أو دروعاً، أو مجرد أرقام ومجرد أعداد؟

المشهد على الشاشة يحكي الكثير، يجعل كل أب وأم يخافان على صغارهما، وهم يبعدون عن أرض الصراع أميالاً كثيرة، ومسافات بعيدة، ودولاً. كل «الستوريز»، وكل الصفحات، وكل القنوات، وكل التواصلات والاتصالات، صارت جزءاً من الخبر، من الحدث. الحرب تطغى على كل حدث وحديث، لو لم تكن الإنسانية هي الضحية الأكبر، لما شعر الناس، في الشرق والغرب، بوجع القلب نفسه.

لا تحتفلوا هذا العام ب«الهالوين»، لا تعرضوا أفلام الرعب على الشاشة، لا تلبسوا الأقنعة المخيفة والمشوّهة، فالرعب صار حقيقة. لم يعد هناك أبواب ليطرقها الصغار، ولم يعد هناك من يوزع الحلوى، الوجوه تشوهت، والأطفال ما عادوا يلعبون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/msyuvxx7

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"